Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 3-7)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ذكر المجادلة في الله ، ولم يبين فيم جادلوا ؟ وقد كانت مجادلتهم من وجوه : منهم من جادل في مشيئة الله تبارك وتعالى . ومنهم من جادل : أن هذا العالم منشأ أم لا ؟ ومنهم من جادل في وحدانية الله تعالى : واحد أو عدد ؟ ومنهم من جادل في بعث الأنبياء وإرسال الرسل . ومنهم من جادل في إنزال الكتب . ومنهم من جادل في دين الله - تعالى - المدعو إليه . وبمثل هذا قد كثرت مجادلاتهم فيما ذكرنا ، وكل ذلك كان مجادلة بغير علم ؛ لأنهم لو تفكروا في هذا العالم ، ونظروا فيه حق النظر لعرفوا أن لهذا العالم منشئاً ، وأنه واحد لا عدد ، وأنه عالم قادر بذاته ، وأنه بعث الرسل والكتب ، وعرفوا أيضاً أنه يبعث هذا العالم ويحييهم ، وأنه قادر على ذلك ، لكنهم [ لم ] يتفكروا فيه ، ولم ينظروا حق النظر ، فجادلوا فيه بغير علم . وقوله - عز وجل - : { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } يحتمل أن يكون قوله : { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } : الشيطان المعروف نفسه ، يتابعه في كل ما يدعوه . وجائز أن يكون أراد أنه يتبع كل من يعمل عمل الشيطان ، وهم القادة الذين كانوا يدعون إلى اتباع ما يدعو الشيطان ويوحي إليهم { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } [ الأنعام : 121 ] ، أخبر أن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوكم ، فذلك معنى قوله : { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } قيل : فعيل بمعنى فاعل ، على ما ذكر في آية أخرى : { مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 7 ] قال بعضهم : كل متمرد في العناد والمكابرة ، فهو مارد . وقال بعضهم : المارد : هو المجاوز عن جنسه في عتوه وتمرده ؛ ولذلك سمي الذي لا لحية له : أمرد ؛ لخروجه ومجاوزة أجناسه ورجاله ، والمارد بالفارسية : ستنبه . وقوله - عز وجل - : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ } قال بعضهم : كتب على الشيطان أن من تولاه واتبعه أن يضله { وَيَهْدِيهِ } أي : يدعوه { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } ، وهو ما قال في آية أخرى : { أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ لقمان : 21 ] . وقال بعضهم : كتب على من تولى الشيطان واتبعه أنه يضله ، أي : يدعوه إلى ما به ضلاله وهلاكه . وقوله : قيل : حكم . وقيل : قضى . و { كُتِبَ } يحتمل الإثبات ، أي : أثبت في أم الكتاب : أن من تولى الشيطان واتبعه أنه يضله ، وقد ذكر إضلال الشيطان في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي : خلقنا أصلكم من تراب ، وخلقنا أولاده من نطفة { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ … } الآية . تأويله - والله أعلم - : أن كيف تشكون في البعث وتنكرونه وليس سبب إنكاركم البعث إلا أن تصيروا تراباً أو ماء في العاقبة ، وقد كنتم في مبادئ أحوالكم تراباً وماء ، فكيف أنكرتم بعثكم إذا صرتم تراباً ؟ أو أن يكون معناه : أن كيف أنكرتم البعث وقد رأيتم أنه يقلبكم من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن العلقة إلى المضغة ، ولا يقلب من حال إلى حال بلا عاقبة تقصد ، فلو لم يكن بعث - كما تزعمون - لكان خلقكم وتقليبكم من حال إلى حال عبثاً ؛ على ما أخبر : أن خلق الخلق لا للرجوع إليه عبث ، كقوله ؛ { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] صيرّ خلق الخلق لا للرجوع إليه عبثاً ، فعلى ذلك الأوّل . أو أن يكون تأويله - والله أعلم - : { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ … } إلى آخر الآية ، ولو اجتمع حكماء البشر وعلماؤهم ليعرفوا السبب الذي خلق البشر من ذلك التراب أو من النطفة - ما قدروا عليه ، وما وجدوا للبشر فيه أثرا ، ولا معنى البشرية فيه ، فمن قدر على ابتداء إنشاء هذا العالم من التراب أو من النطفة من غير سبب يوجد فيه ، ولا أثر - لقادر على إعادتهم ، وإعادة الشيء في عقولكم أهون وأيسر من الابتداء ، فمن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر . وقوله : { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } . قال بعضهم : { مُّخَلَّقَةٍ } : أي مخلوقة خلقا ، و { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } : أي غير مخلوقة خلقا ، نطفة على حالها . وقال بعضهم : { مُّخَلَّقَةٍ } أي : تامة ، و { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } أي : غير تامة خلقاً ، وهو الأشبه ؛ لأن التشديد إنما يذكر لتكثير الفعل ، والتخفيف لتقليله ، فكأنه قال : { مُّخَلَّقَةٍ } ، أي : قد أتم خلقها من الجوارح والأعضاء ، و { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } ، أي : غير تامة خلقا ، بل ناقصة . وقوله : { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى … } كأن قوله : { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ } موصولا بقوله : { مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } ثم { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } : من ستة أشهر إلى سنتين ، أو ما شاء الله { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ } من الأرحام بعد الإقرار فيها { طِفْلاً } قال بعضهم : ثم نخرج كلا منكم طفلا . وقال بعضهم : واسم الطفل يجمع ويفرد . { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } قال بعضهم : الأشد هو ثلاث وثلاثون سنة . وقال بعضهم : هو من ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة ، وأصل الأشد : هو من اشتداد كل شيء ، وتقوي كل شيء فيه من الجوارح والأعضاء ، وكل ما ركب فيه من العقل وغيره ، ثم عند ذلك يبين لهم ، ويكون قوله : { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } بعد هذا كله إذا بلغوا المبلغ الذي يعرفون تقليبه إياهم من حال إلى حال ، على ما ذكر ، ثم يحتمل قوله : { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } وجوهاً : أحدها : يبين قدرته وسلطانه : أن من قدر على تحويلهم من حال التراب إلى حال الإنسانية والبشرية ، ومن حال النطفة إلى حال العلقة . … ثم إلى آخر ما ذكر لقادر على البعث والإحياء بعد ما صاروا تراباً . أو يبين علمه في الظلمات الثلاث التي كان الولد فيها أن كيف قلبه من حال إلى حال في تلك الظلمات ؛ ليعلموا أنه لا يخفى عليه شيء . أو يبين حكمته وتدبيره في خلق الإنسان من التراب ومن النطفة ما لو اجتمع جميع الحكماء من البشر والعلماء ؛ ليعرفوا المعنى الذي به خلق الإنسان منه وصار به بشراً ما قدروا عليه ، ولا عرفوا السبب الذي به صار كذلك ؛ ليعلموا أنه حكيم بذاته وعالم قادر بذاته ، لا بتعليم غيره ، ولا بإقدار غيره ، فمن كان هذا سبيله لا يعجزه شيء ؛ ينشئ الأشياء من الأشياء ولا من الأشياء على ما شاء وكيف شاء . وقوله : { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } أي : من يتوفى قبل أن يبلغ أشده ، دليله قوله : { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } أي : من قبل أن يبلغ ذلك المبلغ وهو الأشد ، { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أي : إلى وقت ما يستقذر ويستخبث ، ليس كالصغير ؛ لأن الصغير والطفل مما يؤمل منه في العاقبة المنافع والزيادات ، [ و ] هذا لا يرجى منه ولا يؤمل منه العاقبة ، كلما مرّ عليه وقت كان أضعف في عقله ونفسه ، ولا كذلك الصغير ، وهو ما قال : { خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } [ الروم : 54 ] . قال القتبي : { أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } : أي : الخرف والهرم . وقوله : { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } أي : لكيلا يعلم من بعد ما كان يعلمه شيئاً . ثم ذكر قدرته وسلطانه فقال : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } قال بعضهم : ميتة ، وقيل : مشققة ، وقيل : يابسة ، وقيل : بالية . وقوله : { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } قال الزجاج : { وَرَبَتْ } : من الزيادة والنماء ، وكذلك قال أبو عوسجة : يقال : ربا يربو ، أي : زاد ، وهو من الربا ، وربا من الارتفاع ، ربا يربو ربوة ، كقوله : { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [ المؤمنون : 50 ] . ثم أضاف الاهتزاز والزيادة إلى الأرض ، وهي لا تهتز ولا تربو ، إنما يربو ويهتز ما يخرج منها من النبات ، لكن أضاف ذلك إليها لما بها كان اهتزاز ذلك النبات ، وبها كان النماء ؛ فاضيف إليها . أو إن كان من الارتفاع والربوة ، فهي ترتفع وتنتفخ وتهتز بالمطر . وقوله : { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } قيل : البهيج : الحسن ؛ يخبر في كل هذا قدرته وسلطانه : أن من قدر على إحياء الأرض بعد ما كانت يابسة ميتة ، لقادر على إحياء الموتى بعد الموت ، وبعد ما صاروا تراباً . وقوله : { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي : من كل جنس حسن { بَهِيجٍ } أي : يسر ، وهو فعيل بمعنى فاعل ، يقال : امرأة ذات خلق باهج . وقال أبو عوسجة : الهامد : البالي ، يقال : همد الثوب : إذا بلي ، والهامد أيضاً : الخامد ، خمدت النار تخمد خموداً . وقال بعضهم : قوله : { وَرَبَتْ } أي : أضعفت النبات . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي : ذلك الذي تقدم ذكره من الساعة وزلزالها وأهوالها وما ذكر من خلق الإنسان وتقليبه من حال إلى حال ، وما ذكر من البعث والإحياء ، وإحياء الأرض بعد ما كانت هامدة - هو الحق . { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي : كائن لا محالة ؛ ألا ترى أنه قال : { وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } هذا كله يدل أن قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } في تحقيق البعث والإحياء بعد الموت ، وأنه لا يعجزه شيء ، وأنه قادر بذاته ، عالم [ بذاته ] . وقال بعضهم : { ذٰلِكَ } يقول : هذا الذي فعل وظهر من صنعه يدل على أن الله هو الحق وغيره من الآلهة التي يعبدونها باطل ، وأنه يحيي الموتى في الآخرة ، لا الآلهة التي يعبدونها ، { وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ أي : قدير ] على ما يشاء ، وهو ما أخبرنا . وقال الحسن : هو اسم من أسماء الله تعالى سمي به ؛ لأنه يحكم بالحق .