Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 42-51)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ … } الآية . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : وإن يكذبوك فيما أخبرت لهم وذكرت من التمكين ، والثبوت على الدين ، ووعدت لهم الجنة ، فقد كذبت الأمم الذين من قبلك رسلهم إذا أخبروا لهم بشيء ، أو وعدوا لهم بنصر ، أو نحوه . وجائز أن يكون قوله : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ } في الرسالة وفيما تخبر عن الله من الأخبار ، يصبر رسوله : لست أنت بأول رسول مكذب في الخلق ، ولكن قد كذب الأقوام الذين كانوا قبلك رسلهم في الرسالة ، وهو ما قال : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ … } الآية [ هود : 120 ] . وقوله : { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : لم يعاقب الله قوماً كذبوا رسلهم وقت تكذيبهم الرسل ، بل أمهلهم حتى اغتروا بتأخير العذاب عنهم ، وزاد لهم تكذيباً وعناداً ، فعند ذلك أخذوا ، وعوقبوا بالتكذيب ، وهو ما أخبر عنهم ، وهو كقوله : { لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } [ المجادلة : 8 ] . قال الحسن : إن الله لم يهلك قوماً بأول التكذيب ، ولكن أمهلهم قرناً فقرنا ، وقوما بعد قوم ، ورسولا بعد رسول ، فعند ذلك إذا علم منهم أنهم لا يؤمنون أهلكهم ، وإن كان يعلم في الأزل من يؤمن منهم ومن لا يؤمن حتى يعلم على ظهور وعلم ابتلاء أنهم لا يؤمنون ، وهو كقوله : { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ } [ محمد : 31 ] علم ظهور في الخلق ، وإن كان يعلم علم باطن وخفي . وقوله : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } ، لم يهلك الله تعالى أهل قرية إهلاك استئصال وتعذيب إلا بعد عناد أهلها وظلم شرك ، كقوله : { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] ، وكقوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } [ هود : 117 ] ، وأمثاله كثير ، على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } فإذا ذهبت السقف وبقيت الحيطان فهي خاوية على عروشها . وقال بعضهم : خاوية : خربة ، ساقطة حيطانها على سقوفها . وقال الحسن : العريش : كل ما ارتفع من الأرض وعلا ، يقال : عرش ، وعروش جمع ، وهكذا كان ما أهلك الله من القرى : منها : ما أهلك أهلها وترك القرى والبنيان على حالها لأوليائها ، من ذلك فرعون وقومه ، وغيره من الأقوام . ومنها : ما أهلك القرى بأهلها ، لم يترك منها شيئاً ، من نحو قريات لوط وثمود وهؤلاء . وقال بعضهم : العرش : هي أجذام الشجر ، وكأنها أسطوانة ، وأصل الخاوية : خلاؤها عن الأهل ، وكذلك قوله : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } عطلها أهلها ، ليس بها أحد ، لا أنها خربت على [ ما ] ذكرنا من إهلاك أهلها . وقوله : { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } قال بعضهم : { مَّشِيدٍ } : مجصص ، والشيد : الجصّ . وقال بعضهم : { مَّشِيدٍ } : أي : مرتفع ، والمُشَيَّد - بالتشديد - : المطول المرتفع . قال القتبي : المشِيد : المبني بالشيد ، وهو الجصّ ، والمشَيَّد : المطول ، ويقال : هما سواء ، وهو مطول . وكذلك قال أبو عوسجة أو قريباً ، وكأنه ذكر هذا لأهل مكة لوجهين : أحدهما : أن كانت لهم قرية فيها قصور مشيدة محصّنة يتحصنون بها ، يخبر أن من كان قبلكم أشد قوة وأكثر حصنا وقصورا ، فلما كذبوا رسلهم لم ينفعهم ذلك ، ولكن نزل بهم العذاب ، فعلى ذلك أنتم يا أهل مكة إذا كذبتم رسولكم ينزل بكم مثل ما نزل بأولئك . أو أن يكونوا آمنين فيها مطمئنين ، فقال : إن أولئك قد كانوا آمنين مطمئنين في قراهم كأمنكم ، ثم نزل بهم ما نزل ، فأنتم وإن كنتم آمنين فينزل بكم ما نزل بأولئك ، وهو ما قال - عز وجل - : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً … } الآية [ النحل : 112 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } هلا ساروا في الأرض ، فتكون لهم قلوب يعقلون بها فينظروا ؛ ليعرفوا ما حلّ بأولئك بالتكذيب ؛ فيمتنعون عنه ، { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي : يسيروا فيستمعوا إلى الأخبار التي فيها ذكر هلاكهم ، وما نزل بهم بالتكذيب والعناد ؛ لأن ما حل بالأولين إنما يعرف ذلك بأحد أمرين : إما بالمعاينة بالنظر إليهم ، وإمّا بالسماع من الأخبار . أو أن يكون قوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : قد ساروا في الأرض ، لكن لم تكن لهم قلوب - عقول أو أفهام - يعقلون بها ما نزل بأولئك بالتكذيب فيعتبروا بذلك ، ولا كانت لهم آذان يستمعون ما حل بهم ، أي : كانت لهم عقول يعقلون بها لو نظروا حق النظر ، وآذان يسمعون بها لو سمعوا حق السّماع ، لكنهم لما لم ينتفعوا بعقولهم وأسماعهم نفى ذلك عنهم ، وهو ما قال : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } الظاهرة ، { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } وهو ما نفى عنهم السمع والبصر ؛ لتركهم الانتفاع بها { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] . وقال بعضهم : هذه الآية في شأن عبد الله بن زائدة ابن أم مكتوم الأعمى ، معناه : أن العمى عمى القلب ، ليس عمى البصر ، وهو كان أعمى البصر ، لا أعمى القلب ، هذا معناه إن ثبت ، والله أعلم . وقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أي : لن يخلف الله وعده الذي وعد في نزول العذاب ، أي : ينزل بهم ، لا يتقدم ولا يتأخر عن ميعاده . وقوله : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } . قال عامة أهل التأويل - نحو ابن عباس والضحاك ومجاهد وهؤلاء - : إنها هي الأيام التي خلق الله فيها الدنيا وجعلها أجلا لها ، يعدّ كل يوم من تلك الأيام كألف سنة ، وإلى هذا صرف عامة أهل التأويل ، فلا نعلم لذلك وجهاً . وقال بعضهم : وإن يوماً عند ربكّ من عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدّون في الدنيا ، اليوم الواحد ألف سنة . ووجه هذا : أن الوقت القصير القليل يجوز أن يصير مديداً طويلا ؛ لشدّة العذاب والبلاء ، نحو ما قيل لهم : { كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ الكهف : 19 ] قصر مقامهم في الدنيا ؛ لشدة ما عاينوا من العذاب ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . وجائز أن يكون هذا لا للتوقيت والمدّة ؛ إذ الآخرة ممّا لا غاية لانتهائها ، وكل شيء لا غاية لانتهائه ، فذكر الوقت له يخرج مخرج التمثيل لا التوقيت ، كقوله : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الحديد : 21 ] ، وقال : { عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ليس على التحديد لها والتوقيت ، ولكن على ما خرج عن الأوهام ذكر ذلك ومثلها به ، فعلى ذلك الاوّل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي { أَمْلَيْتُ لَهَا } : لم آخذها وقت ظلمهم { ثُمَّ أَخَذْتُهَا } من بعد { وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } . وقوله : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } هو ظاهر ، قد ذكرناه في غير موضع . وقوله : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم ومعاصيهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } قال بعضهم : سماه رزقا كريماً ؛ لأن من رزق ذلك وأعطي يكرم ويعظم قدره . وقال بعضهم : سماه : كريماً ؛ لأن الكريم هو الذي يقضى عنده الحوائج والحاجات ؛ فعلى ذلك هو الرزق من ناله وأصابه قضى عنده الحوائج ؛ لذلك سمي : كريماً ، والله أعلم . وقوله : { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } في بعض القرآن : { مُعَاجِزِينَ } قال بعضهم : { مُعَاجِزِينَ } : مثبِّطين مبطئين ، يبطئون الناس عن اتباع الشيء . والأشبه - عندنا - أن يكون قوله : { مُعَاجِزِينَ } : سابقين فائتين ، لكنه على الإضمار ، كأنّه قال : { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } على ظن منهم أنّهم سابقون فائتون عن عذابه { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } .