Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 52-59)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } ، أي : تلا { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } قيل : في تلاوته ، وقراءته الآية . قال عامة [ أهل ] التأويل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تمنى - أي : تلا في صلاته - أو حدث نفسه ، ألقى الشيطان على لسانه عند تلاوته بـ { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] ، حتى إذا انتهى إلى قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] [ قال ] : " تلك الغرانيق العلا [ وإن ] شفاعتهن لترتجى " . ويذكرون أنه أتاه على صورة جبريل ، فألقى عليه ما ذكروا ، ثم أتاه جبريل فأخبره النبي بذلك ، فقال له : إنه لم ينزل عليه قط شيئاً مثله . وأمثال ما قالوا . لكنه لو كان ما ذكر هؤلاء كيف عرفه في المرة الثانية أنه جبريل ، وأنه ليس بشيطان ، ولا يؤمن أنه يلبس عليه في وقت آخر في أمثاله . وقال قتادة : إنّه صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يذكر الله آلهتهم بعيب ، فلما قرأ تلك الآية { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ } [ النجم : 20 ] قال : " إنهن الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى عندهم " ، يعني به : عند أولئك الكفرة ، وهم على ذلك كانوا يعبدونها . وقال الحسن : إنه أراد بقوله : " تلك الغرانيق العلا و [ إن ] شفاعتهن لترتجى " : الملائكة ؛ لأنهم كانوا يعبدون الملائكة ؛ رجاء أن يشفعوا لهم يوم القيامة ، فأخبر أن شفاعة الملائكة ترتجى . وهذان التأويلان أشبه من الأوّل . والأشبه - عندنا - : أن يكون على غير هذا الذي قالوا ، وهو أن قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي : عند تلاوته القرآن في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول الله ويحاجّونه ؛ فيشبهون بذلك على الأتباع ليتبعوهم ، وهو نحو قولهم : إنه يحرم ما ذبحه الله ، ويحل ما ذبح هو بنفسه . ونحو قولهم عند نزول قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] فقالوا : إن عيسى وعزيراً والملائكة عُبِدوا دون الله فهم حصب جهنم إذن ، ونحو صرفهم قوله : { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 1 - 2 ] إلى حساب الجُمَّل ، وأمثال هذا ممّا حاجّوا رسول الله وجادلوه به ، فأخبر أنه ينسخ مجادلتهم ومحاجتهم رسوله ، وأنّه يُحكم آياته ، حيث قال عند قولهم : إنّه يحل ذبح نفسه ويحرم ذبح الله ، فبيّن أنه بم حرم هذا ؟ وبم حل الآخر ؟ وهو قوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] ولكن كلوا ممّا ذكر اسم الله عليه . فبيّن أنّه إنما حلّ هذا بذكر اسم الله عليه ، وحرم الآخر بترك ذكر اسم الله عليه . وبين في قولهم : إن عيسى عبد دون الله والملائكة عبدوا دونه ، فهم ليسوا بحصب جهنم ، حيث استثنى أولئك فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ … } الآية [ الأنبياء : 101 ] ، وأبطل مجادلتهم ومحاجتهم ، بصرفهم الآية إلى حساب الجُمَّل بقوله : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ … } الآية [ آل عمران : 7 ] فهذا - والله أعلم - تأويل قوله - : { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } نسخ ما ألقى الشيطان في قلوب أولئك الكفرة ما به جادلوه ، وأحكم آياته بما ذكرنا . ثم إن ثبت ما ذكر ابن عباس وعامة من ذكرنا ، حيث قالوا : جرى على لسانه ذلك ، فجائز عندنا جري الخطأ على لسان من عصم إذا عرف السامع منه مذهبه ودينه الذي يدين به ، عرف أن ما جري غلطا وخطأ ، نحو من يعتقد مذهباً وينتحل نحلة ، فجرى على لسانه خلاف ما يعرف منه الاعتقاد ، يعرف أنه جرى على لسانه غلطاً ، فعلى ذلك الذي ذكره أهل التأويل ؛ إن ثبت ما ذكروا عنه أنه قال ذلك . والأشبه فيه ما ذكرنا من إلقاء الشيطان في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول الله ويحاجّونه ، كقوله : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ … } الآية [ الأنعام : 121 ] . وقال القتبي : { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } أي : تلا القرآن { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي : في تلاوته . وكذلك قال أبو عوسجة ، وقال أمانِيَّ مشدّدة جمع . وقال غيرهما : إذا تمنى : إذا حدث ، وفي أمنيته : في حديثه . قال بعضهم : تمنى وأمنيته : هو من تمني النفس ، كقوله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ … } الآية [ النساء : 32 ] ، ونحوه وهو قول الحسن : تمنى كبعض ما تمنى الناس من الدنيا . وقال قتادة : تمنى ما ذكرنا من تمني النفس أن يذكر آلهتهم التي كانت تدعى وترجى شفاعتهن ، على ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } هذا تأويل القوم : ليجعل ما يُلقي الشيطان في قلوب أولئك الكفرة فتنة للذين ذكر ؛ لما ظنوا لعله لا يقدر الإجابة لهم ، أو لا يحضره ما يجيبهم ؛ فيكون ذلك فتنة لهم ، والله أعلم . وقوله : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } كأنهم هم المنافقون ؛ لأنهم هم الموصوفون المسمّون بهذا الاسم ، كقوله : { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] . وقوله : { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } كأنهم هم الرؤساء المكابرون المعاندون لرسول الله ، والكفرة كلهم موصوفون بقساوة قلوبهم ، كقوله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] . وقوله : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } يحتمل : أي : لفي عناد وفي مكابرة ، بعيد عن الإجابة له ، أو بعيد لاستماع الحق وقبوله . وقيل : شقاق : أي : خلاف بعيد ، أي : لا يرجعون إلى الوفاق أبداً . وقوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } وقوله : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } هذه الآية كالآيات التي ذكرناها فيما تقدم ، من ذلك قوله : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ … } الآية [ التوبة : 124 - 125 ] ، ونحوها من الآيات التي وصفت أهل التوحيد بالقبول لها والخضوع والإقبال إليها ، ووصفت أهل الكفر بالرد والتكذيب ، فعلى ذلك قوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } علم الذين أوتوا العلم أن القرآن ومحمداً لحق من ربّك ؛ لأنهم نظروا إليه بالتعظيم والتبجيل والخضوع له ، فأقروا به ، فزاد لهم بذلك هدى ورحمة وشفاء ، وأولئك نظروا إليه بالاستخفاف والاستهزاء والتكذيب ، فزاد لهم بذلك رجساً وضلالا وفسادا . وقوله : { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } . قال بعضهم : هو يوم بدر . وقال بعضهم : هو عذاب يوم القيامة وهو شديد . وجائز أنه سمّاه عقيماً ؛ لأنه لا يرجى النجاة منه ، وكذلك سميت المرأة التي لا تلد : عقيماً ؛ لما لا يرجى منها الوليد . وقوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } قال الحسن : الملك في الأحوال كلها لله في الدّنيا والآخرة ، لكن تأويل قوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } أي : الحكم يومئذ لله ، هو يحكم بينهم دون الخلائق ؛ لأن في الدّنيا من قد حكم غيره ، فأمّا يومئذ فالحكم له . [ و ] عندنا : تخصيص الحكم يومئذ له بالذكر وإن كان الملك في الأيّام كلها لله ؛ لأنّهم جميعاً يقرون له بالملك يومئذ ، لا أحد ينازع ، وفي الدنيا من قد ادعى الملك لنفسه ، وهو ما ذكره في قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [ آل عمران : 28 ] { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [ البقرة : 210 ] ، ونحوه ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . وقوله : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ظاهر تأويله . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ } أمّا أهل التأويل فإنّهم صرفوا تأويل الآية إلى الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فقتلوا أو ماتوا حتف أنفهم ، فإن لهم ما ذكر من الرزق الحسن والمدخل المرضي ، وظاهره أن يكون في الذين هاجروا إلى رسول الله ، فإن كان فيهم ففيه دلالة نقض قول الروافض ، حيث قالوا : ارتد عامتهم ، حيث شهد الله لهم بالجنة ، والرزق الحسن ، والمدخل المرضي ، قتلوا أو ماتوا حتف أنفهم ؛ فلا يحتمل أن يكون منهم ما قالوا . قال القتبي : قوله : { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } ، أي : تخضع وتذل ، وهو ما ذكرنا في قوله : { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } [ الحج : 34 ] . وقال : { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } كأنه عقم عن أن يكون فيه خيرا وفرجاً للكافر . وقال أبو عوسجة : { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } شديد ، وهو ما ذكرنا . وقوله : { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } قيل : هو الجنة ؛ لأنه إنما ذكر بعد الموت والقتل ؛ فلا يكون رزق حسن إلا في الجنة يستحسنها كل طبع وعقل . وقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أخبر أنه خير الرازقين وإن لم يكن رازق سواه ؛ لأنهم كانوا يطمعون ويطلبون الرزق والسّعة من عند من سواه ، حيث كانوا يعبدون من دونه طمعاً في السّعة ، فأخبر أنه هو الرزاق ، ومنه يطمع الرزق والسّعة ؛ لأنه هو المالك لذلك ، وهو ما قال : { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] وإن لم يكن خالق سواه . وقوله : { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } وهو الجنة أيضاً ، يرضى بها كل طبع وعقل ، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } عليم بما صنع بأوليائه أعداؤه ، أو ما صنع هو بأوليائه ، { حَلِيمٌ } حيث آخر الانتقام من أعدائه ، لم ينتقم منهم وقت صنيعهم بما صنعوا بأوليائه ، والله أعلم .