Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 117-118)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } . ظاهر هذا يوحي أن هنالك إلهاً آخر ؛ لأنه قال : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } ، لكنه يخرج على وجهين : أحدهما : لا يحتمل مع الله إلهاً آخر ؛ كقوله : { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [ الذاريات : 51 ] . والثاني : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } ، أي : من يسم مع الله إلهاً آخر ؛ إذ كانوا يسمون الأصنام التي كانوا يعبدونها : آلهة ، على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية . وقوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } . أي : لا حجة لهم بذلك ؛ لأن الحجة إنما تكون بوجوه ثلاثة : إما بالأخبار التي يجوز الشهادة على صدقها وصحتها . وأما العقول السليمة . وأما من جهة الحس يدل على ذلك ؛ فلم يكن لهم واحد من هذه الوجوه . ثم الحسّ يكون بالدلالة من وجهين : إما بوقوع الحس عليه بالبديهة أو بآثار تدل على الألوهية ؛ فلا كان في ظاهر وقوع الحس دلالة ذلك ، ولا كان بها آثار تدل على ذلك ، بل فيها آثار العبودة والذل ، فضلا أن يكون لها آثار الألوهية ، فلا عذر لهم في ذلك ؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون : إما للنعم والأيادي تكون منه إليه ؛ فيعبده شكراً لما أنعم عليه وأحسن إليه ، وإما لحوائج يطمع قضاءها له ، وإما لما يرى له في نفسه من آثار العبودة له ؛ فإذا لم يكن واحد من هذه الوجوه التي ذكرنا فلا عذر لهم في عبادة تلك الأصنام . فإن قالوا : لنا برهان وحجة في ذلك . قيل : قطع حجاجكم بما ذكر من قوله : { إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ … } الآية [ الزمر : 38 ] ، وقوله : { فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } [ الإسراء : 56 ] ، ونحو ذلك من الآيات : فيها قطع حجاجهم . وفي حرف حفصة : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ } ، أي : لا سلطان له به . وقوله : { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } . قال قائلون : { حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } هو قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } ، وقال بعضهم : { حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } أي : جزاؤه عند ربه ؛ كقوله : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 - 26 ] . وقوله : { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } . جائز أن يكون هذا تعظيماً من الله لكل أحد سؤال المغفرة والرحمة ، وقيل : هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يخرج على وجهين : أحدهما : حكمته وعدله ألا يرحم ولا يغفر أحداً ، وإن كان في فضله ورحمته أن يرحم ويغفر . والثاني : يجعل له العصمة والرحمة بهذا الدعاء . أو أن يكون العصمة تزيد في الخوف ، كقول إبراهيم : { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] ، وقوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ آل عمران : 8 ] . وقوله : { وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } ؛ لأن رحمته إذا أدركت أحداً أغنته عن رحمة غيره ، ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته ، والله الموفق ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين .