Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . الفلاح ، قال قائلون : الفلاح هو البقاء ، أي : بقي المؤمنون . وقال قائلون : الفلاح : السعادة . وقال [ قائلون ] : الفلاح : الفوز ، وأمثاله . [ و ] في قوله : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ … } إلى آخر ما ذكر دلالة أن من المؤمنين من هم بهذا الوصف الذي وصف هؤلاء ، وأن اسم الإيمان يقع بدون الذي ذكر في هذه الآية ؛ لأنه لو لم يكن لذكر ما ذكر من الخشوع في صلاتهم ، والحفظ لفروجهم ، والإعراض عن اللغو ، يعني : دل أنه يكون مؤمناً بغير الوصف الذي وصف هؤلاء ، وكذلك في قوله : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } [ الطلاق : 2 ] ، وقوله : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } [ البقرة : 282 ] ؛ فدل أن فيهم من ليس بعدل ، وفيهم من لا يرضى في الشهداء ؛ حيث خصّ العدل والمرضي في الشهادة . وقوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } . قال الحسن : الخشوع هو الخوف الدائم اللازم في القلب . وقال غيره : الخشوع في القلب ، وأصل الخشوع كأنه آثار ذل - من الخوف - تظهر في الوجه والجوارح كلها ، لا الخوف الذي ذكر هؤلاء ؛ ألا ترى أنه قال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } [ الغاشية : 2 ] ، وقال : { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } [ القلم : 43 ، المعارج : 44 ] - دل هذا أن الخشوع هو آثار ذلّ من خوف يظهر في الوجه والجوارح كلها ؛ ولذلك قال بعضهم : الخشوع في الصلاة هو ألا يعرف من عن يمينه وشماله ؛ لأن ذلك يشغله عن العلم بمن يليه ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } . اللغو : كأنه اسم كل باطل ، واسم كل ما يلغى ولا يعبأ به ، أخبر أنهم يعرضون عن كل باطل وعن كل ما نهوا عنه ، ويقبلون على كل طاعة وبكل ما أمروا به . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } . يحتمل الزكاة : الزكاة التي بها تزكو أنفسهم عند الله . وجائز الزكاة المعروفة المعهودة ، أخبر أنهم فاعلون ذلك مؤدون . وجائز أن يكون ذكر هذا من المؤمنين ؛ من الطاعة لله والائتمار لأمره ، والرضا به ، مقابل ما كان من المنافقين من الكراهية في الإنفاق ، والصلاة على الكسل ، والمراءاة ؛ كقوله : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ … } الآية [ النساء : 142 ] ، وقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ التوبة : 54 ] ، وقولهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 7 ] نعتهم بالكسل ، والخلاف ، وترك الإنفاق والمراءاة في الطاعات ، ونعت المؤمنين بضدّ ذلك ، وبالرغبة في أوامره ، والانتهاء عن معاصيه ونواهيه . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } . استثنى في هذا ؛ لأنّ هذا مما يحلّ في حال ويحرم في حال ، وأما اللغو وما ذكر من أوّل الآية إلى آخره لا يحل بحال ، واللغو حرام في الأحوال كلها ، وكذلك ترك أداء الأمانة والزكاة والصلاة مما لا يحل تركه بحال . وقوله : { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } . ذكر ألا يلحقهم لائمة في ذلك - والله أعلم - لوجهين : أحدهما : لقول الثنوية ؛ لأنهم لا يرون التناكح ، فأخبر أن اللائمة [ ليست ] في هذين وإنما اللائمة في غير هذين . والثاني : ذكر لإبطال المتعة ؛ لأنه استثنى الأزواج وما ملكت أيمانهم ، والمتعة ليست في هذين اللذين استثناهما ، ثم أخبر أن لا لائمة في هذين ، وفيما عداهما لائمة ، والمتعة مما عدا هذين ، وهو ما قال : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ } [ النور : 33 ] وإلى هذا يصرف حفظ الفروج ، وإلا : كان عامة الناس يحفظون فروجهم عن الزنا ، ويعرفون حرمته ، لكنهم كانوا يستبيحون المتعة والإجارة فيه ؛ فحرم ذلك . ثم قال : { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } . والعادي : هو المجاوز عن الحد الذي حدّ له . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } . يحتمل الأمانات : العبادات والفرائض التي فرضت عليهم ، راعوها ، أي : أدوها في أوقاتها ، والعهود التي فيما بينهم وبين ربهم . أو أن يكون الأمانات التي وضعت عندهم والعهود التي فيما بينهم وبين الخلق ، راعوها ، أي : حفظوها ، وأدوها إلى أربابها ولم يضيعوها ، والله أعلم . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } . يكون محافظة الصلاة بوجوه : أحدها : يحافظونها بأركانها وفرائضها ولوازمها وآدابها . والثاني : يحافظونها بأسبابها التي جعلت لها من الأوقات والطهارات وستر العورة وغيرها من الأسباب التي لا تقوم الصلاة إلا بها . والثالث : يحافظونها بالخشوع والوقار وإظهار الذلّ له والإخلاص ، وغير ذلك من الأشياء مما ندب المصلي إليه ، وعلى ذلك جميع ما ذكر من الأمانات وغيرها ، والله أعلم . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } . الوارث : هو الباقي عن المورث . وقال الله - عز وجل - : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ } [ مريم : 40 ] ، أي : إنا باقون عن الخلق ، أي : يفني الخلائق ، وهو يبقى . أو أن يكون قوله : { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } هكذا هو ما وعد الله عباده الجنة إن أجابوه ، وإليها دعاهم بقوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] ؛ فمن ترك إجابته يصير الموعود الذي وعد له إن أجاب لمن أجابه ؛ فذلك الوراثة التي ذكر الله . وقوله : { ٱلْفِرْدَوْسَ } ، قيل : هو بلسان الروم : بستان ، سمى الله الجنة بأسماء مختلفة : منها عدن ، ونعيم ، ومأوى ، وفردوس ، و [ هي ] في الحقيقة واحد ؛ لأن العدن هو المقام ، والنعيم هو ما ينعم ، ومأوى فهي كذلك ، ثم فردوس وعدن ، ومأوى نعيم . وروي في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الْفِردَوْسُ رَبْوةُ الجَنَّةِ الْعُلْيَا ، وَهِيَ أَوْسَطُهَا ، وَأَحْسَنُهَا " ، فإن ثبت هذا فهو ما ذكر . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } ، قال : الإقبال عليها ، والذلة فيها . وعن علي - رضي الله عنه - قال : الخشوع في القلب ، وأن تلين كنفك للمرء المسلم ، وألا تلتفت في صلاتك . وقيل : التواضع ، وأصله ما ذكرنا .