Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 31-41)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ثُُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } . قيل : من بعد قوم نوح قرناً آخرين : عادا وغيرهم . { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } . قالوا : هوداً . { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . جميع الأنبياء والرسل إنما بعثوا بالدعاء إلى توحيد الله ، وجعل العبادة له . وقوله : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } . مخالفته ، أو عبادة من دونه ، وجميع معاصيه ، على ما ذكرنا من قبل . وقوله : { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } . أي : بالبعث . { وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا } . قال بعضهم : أترفناهم ، أي : بسطنا لهم في الدنيا حتى ركبوا المعاصي . وقال بعضهم : المترف : الغني الطاغي . وقوله : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ … } الآية . قد ذكرنا فيما تقدم أنهم تناقضوا في قولهم : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ … } إلى قوله : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } ؛ لما أنهم منعوا الأتباع عن أن يتبعوا الرسول ويطيعوه ؛ لأنه بشر مثلهم ، ثم طلبوا منهم الطاعة لهم والاتباع في أمورهم ، وهم بشر أمثالهم ؛ فذلك تناقض في القول وفساد . وقوله : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } . قال بعضهم : قوله : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } : استبعاد الأمر وإنكاره ، أي : بعيداً بعيداً ، أي : أمر لا يكون . وقوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } . إن كان هذا القول من الثنوية والدهرية فقوله : { نَمُوتُ وَنَحْيَا } : هم بأنفسهم ؛ لأنهم يقولون : يموت الإنسان فيحيا غيره من البقر والحمر وغيره من تراب إذا أكل . وإن كان هذا القول من غير الثنوية فنقول : قوله : { نَمُوتُ وَنَحْيَا } ، أي : نموت نحن ويحيا الأبناء . وذكر في حرف ابن مسعود وأبي : ( نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين ) . وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } هذا قولهم . وقوله : { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } . قد ذكرناه . { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } . أي : عما قريب يندمون بالتكذيب عن هذا القول الذي قالوه والإنكار الذي أنكروه ، لا شك في ذلك . وقال القتبي : { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي : وسعنا عليهم حتى أترفوا ، والترفة منه ، ومثلها : تحفة ، كأن المترف هو الذي يتحف . وقال غيره : { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي : أنعمنا عليهم وبسطنا لهم ؛ فكله يرجع إلى واحد . قال أبو عوسجة : قوله : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } هذا تبعيد للأمر ، أي : أنه أمر بعيد ؛ على ما ذكرنا أنه لا يكون . وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ } . قد ذكرناه . وقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً } . قال بعضهم : الغثاء : اليابس الهامد كنبات الأرض إذا يبس . وقال بعضهم : الغثاء : هو الذي يحمله السيل بالموج . [ و ] قال أبو معاذ : { غُثَآءً أَحْوَىٰ } [ الأعلى : 5 ] ، أي : أسود . وقال بعضهم : غثاء ، أي : موتى . وجائز أن يكون تأويل قوله : { غُثَآءً } ، أي : كالشيء المنسيّ الذي لا يذكر ألبتة ؛ لأن أولئك الفراعنة والأكابر إذا هلكوا لم يذكروا ألبتة ، و [ لا ] افتخر أحد من أولادهم بهم من بعد الهلاك ، كما افتخر أولاد الأنبياء والرسل والصالحين بآبائهم وأجدادهم من بعدهم ، وصاروا مذكورين إلى أبد الآبدين ، فأما أولئك : صاروا خاملي الذكر كالشيء الخسيس المنسي المتروك . وقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً } ، الغثاء : ما ذكرنا على قول بعضهم كالريم الهامد الذي يحمله السيل ، [ و ] على قول بعضهم : هو كالشيء البالي المتغير . وعلى [ قول ] بعض : الغثاء : ما ارتفع على الماء مما لا يُنتفع به ، وكله واحد . وقال القتبي : غثاء ، أي : هلكى كالغثاء ، وهو ما على السيل من الزبد والقش ؛ لأنه يذهب ويتفرق . [ و ] قال أبو عوسجة : الغثاء : ما يحمله السيل من العيدان والبعر والأغشية جميعا ، والغثاء : حميل السيل . ثم ذكر أنفس قوم عاد وثمود ، وشبهها بما ذكر من الغثاء ، وكذلك يذكر أنفس جميع أهل الشرور والفساد ، وذكر في أهل الخير أعمالهم لا أنفسهم ؛ لأن لهم أعمال الخير والصلاح ؛ فتجعل أنفسهم حيّة بالأعمال ؛ كقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } [ سبأ : 19 ] جعل أعمالهم أحاديث فيما بينهم ، وأما أهل الكفر والشر فإنه لا أعمال لهم تذكر ؛ فتذكر أنفسهم بُعدا وسحقاً .