Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 23-30)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . يردّد - عز وجل - أنباء أولي العزم من الرسل وأخبارهم ، ويكررها على رسول الله ؛ ليكون أبداً يقظاناً منتبهاً ، ويعرف أن كيف عامل أولو العزم قومهم ، وكيف صبر أولو العزم من الرسل على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم ؛ ليعامل هو قومه مثل معاملتهم ، ويصبر هو على أذى قومه ؛ على ما صبر أولئك على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم ؛ لهذا ما يردّد ويكرر أنباءهم عليه ، ويعرف قومه - أيضاً - ألا يظفروا بما يأملون من تكذيبهم العاقبة ؛ بل العاقبة تصير له على ما صارت لأولي العزم من الرسل لا لقومهم ، والله أعلم . وقوله : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } ، يحتمل وجوهاً : أحدها : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } مخالفة الله ومخالفة رسوله . أو { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } عذابه ونقمته ووعيده . أو { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } عبادة غير الله . وقوله : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } . هذا الذي قالوا : هو تناقض ؛ لأنهم قالوا : إنه بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم بما ادعى من الرسالة والإجابة له إلى ما دعاهم ، ثم هم - أعني : الرؤساء منهم والقادة - ادعوا لأنفسهم الفضل بما استتبعوا هم السفلة ، وطلبوا منهم الموافقة لهم والإجابة ، وهم بشر أمثالهم ؛ فذلك تناقض في القول ، ثم أقروا بتفضيل بعض الخلق على بعض ، وعرفوا قدرة الله على ذلك ؛ حيث قالوا : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } . فإن قدر على تفضيل الملائكة على البشر ، قدر على تفضيل بعض البشر على بعض ، ثم أخبر عن نوح أنه لا يريد بما ادعى من الرسالة التفضل عليهم ؛ ولكن يريد النصح لهم والإشفاق عليهم ؛ حيث قال : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } [ هود : 34 ] ، وقال : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 59 ] ، { عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } [ الشعراء : 189 ] ، ونحو ما قال ؛ أخبر أنه إنما أراد النصح والشفقة لا التفضل الذي قالوا هم . وقوله : { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } . هذا قولهم ، وقد كذبوا في قولهم . وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } . قد عرفوا أن ليس به جنون ؛ ولكن أرادوا التلبيس والتمويه على قومهم ؛ حيث خالفهم في جميع أمورهم ، وعادى الرؤساء منهم والقادة ، ويقولون : ما يفعل هذا إلا لجنون فيه وآفة أصابته في عقله ، وإلا : عرفوا هم في أنفسهم - أعني : القادة - أنه ليس بمجنون ؛ ولكن أرادوا التمويه على قومهم ، ثم قالوا : { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } . لسنا ندري ما أرادوا بالحين : أرادوا الموت ؟ أو وقت ارتفاع ما قالوا فيه من الجنون ؟ أو أرادوا وقتاً آخر . قال مقاتل : يريد أن يتفضل عليهم بالرسالة ، وليس [ له ] عليكم فضل في شيء فتتبعونه . وقوله : { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } . قال بعضهم : أي : بالعذاب في آبائنا الأولين . ويقال : ما سمعنا التوحيد في آبائنا الأولين ، كما يدعو نوح . وقوله : { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } . لم يدع عليهم بأول ما كذبوه ؛ ولكن إنما دعا عليهم بعد ما أيس من عودهم إلى تصديقه ، وهو ما قال : { أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [ القمر : 10 ] . وقال أهل التأويل : { ٱنصُرْنِي } : بتحقيق ما وعدت لهم من العذاب ؛ فإنه نازل بهم في الدنيا وعذابهم { بِمَا كَذَّبُونِ } : في قولي بأن العذاب نازل بهم في الدنيا . أو أن يكون قوله : { ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } ، أي : اجعل لي الظفر عليهم بالتكذيب ، ونحوه . وقوله - تعالى - : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } . قال بعضهم : بمنظر منا . وقال بعضهم : بمرأى منا . وجائز أن يكون - صلوات الله عليه - ظن لما أمر باتخاذ الفلك : أنهم لا يتركونه أن يتخذ الفلك ؛ فأخبره - عز وجل - : أنك تتخذه بحيث تراه ، وننصرك عليهم بحيث لا يملكون منعك عن اتخاذها . وقوله : { وَوَحْيِنَا } ، أي : بأمرنا . وقوله : { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } ، أي : إذا جاء الموعود بأمرنا وفار التنور . أو أن يقول : إذا جاء وقت أمرنا بالعذاب وفار ما ذكر ، أي : خرج الماء من التنور وظهر . وقوله : { فَٱسْلُكْ فِيهَا } . قيل : أدخل فيها ، يقال : سلكت ، وهو الإدخال ؛ كقوله : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ القصص : 32 ] ، أي : أدخل . وتفسير { ٱسْلُكْ } : ما ذكر في آية أخرى : { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا } [ هود : 40 ] . وقوله : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } . يحتمل أن يكون قوله : { ٱثْنَيْنِ } نعتاً لقوله : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ } : من الذكر والأنثى . وجائز أن يكون قوله : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ } ، أي : من كل زوجين عددين لونين : [ أبيض ] وأسود ، وطيب وخبيث . وقوله : { وَأَهْلَكَ } ، أي : احمل أهلك - أيضاً - في السفينة . وقوله : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } . بالعذاب والهلاك ، وقد ذكرنا هذا في سورة هود . وقوله : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } . اختلف فيه : قال قائلون : إنما نهاه عن مخاطبته الذين ظلموا ؛ حيث قال : { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } [ هود : 45 ] ، [ نهاه ] أن يسأله ؛ فإن كان على هذا [ فقوله ] : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي } ، أي : لا تراجعني الكلام [ في ] الذين ظلموا . وقال قائلون : قوله : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي } في الذين ظلموا في جميع ظلمة قومه ؛ { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } ؛ وإن كان على هذا فهو نهي عن ابتداء السؤال في نجاتهم ، والله أعلم . وقوله : { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ } من المؤمنين { عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . هكذا الواجب على كل من أنجاه الله من الظلمة أن يحمد ربه على ذلك ويسأله النجاة إذا ابتلي بهم ؛ كما علم نوحاً أن يقول ما ذكر ويحمده على النجاة منهم ، وكما قال موسى حين خرج من عندهم خائفاً : { رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ القصص : 21 ] ، وكما سألت امرأة فرعون النجاة من فرعون وقومه حين قالت : { وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ التحريم : 11 ] . ثم علمه ربّه أن يسأله الإنزال في منزل مبارك ؛ حيث قال : { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } . ثم يحتمل سؤاله المنزل المبارك : جميع الخيرات والحسنات وعمل الصالحات . ويحتمل سؤاله المنزل المبارك : الموضع الذي فيه السعة والخصب ؛ على ما قاله بعض أهل التأويل ، المبارك بالماء والشجر وغيره ؛ فإن كان هذا ففيه دلالة إباحة سؤال السعة والخصب ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } . قال قائلون : قوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } ، أي : في هلاك قوم نوح وإغراقهم لآيات لمن بعدهم ، { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } بآيات ؛ تفضلا منا وإحساناً سوى ذلك . ويحتمل وجهاً آخر ، وهو أن قوله : { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } : بسور الآيات التي كانت ؛ وجائز في اللغة ( إن ) بمعنى ( ما ) . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن قوله : { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } ، أي : وقد كنا لمبتلين ، أي : قد ابتلاهم قبل إهلاكه إياهم ، ولسنا نعرف ما حقيقة هذا الكلام وما مراده ، والله أعلم . وقال القتبي : { ٱسْلُكْ فِيهَا } ، أي : أدخل فيها ، يقال : سلك الخيط في الإبرة وأسلكته ، وقال أبو عبيدة كذلك . وقال أبو عوسجة : { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } : هذا من الابتلاء ، أي : اختبار ، ومن البلاء : مبلون .