Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 45-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ قوله : ] { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } . قد ذكرناه . { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } . كقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] . وقال بعضهم : متكبرين ومتجبرين . قال أبو عوسجة : هو من العلوّ ، ليس من التعالي ، والتعالي لا يوصف به الخلق . قال القتبي : { تَتْرَا } ، أي : تتابع بفترة بين كل رسولين ، وهو من التواتر ، والأصل : ( وترى ) ، فقلبت الواو تاء ؛ كما قلبوها في ( التقوى ) و ( التخمة ) و ( التكلان ) . وقال أبو عوسجة : { تَتْرَا } بعضهم على أثر بعضهم ، وهو من المتابعة . وفي قوله : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا } دلالة أن أهل الفترة ، ومن كان فيما بين بعث الرسل - لا عذر لهم في شيء ؛ لإبقاء الحجج والبراهين قبل أن يبعث آخر وحسن آثارهم وأعلامهم - أعني : آثار الرسل وأعلامهم - أخبر أنه أرسل الرسل تباعاً : بعضاً على [ إثر ] بعض ، وإن كان بين بعثهم فترة ؛ لما أبقى الحجج والبراهين وآثار الرسل وأعمالهم ، والله أعلم . وقوله : { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } . قال بعضهم : تعجب : نرفعهم بعد ما كنا غالبين عليهم ؟ ! ! نجعلهم غالبين علينا وكانوا لنا عابدين ؟ ! أي : نرفعهم فوقنا ونكون تحتهم ، ونحن اليوم فوقهم وهم تحتنا ، كيف نصنع ذلك ؟ ! وذلك - والله أعلم - حين أتوهما بالرسالة . { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } : صاروا من المهلكين بالتكذيب . وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } . يشبه أن يكون حرف ( لعل ) لموسى ، أي : آتينا موسى الكتاب ؛ لعلهم يهتدون عنده ، و ( لعل ) حرف رجاء وترج ؛ لكن يستعمل مرة : على الإيجاب والإلزام ، ومرة : على النهي ؛ كقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الشعراء : 3 ] ، أي : لا تبخع نفسك ، وقوله : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } [ هود : 12 ] أي : لا تترك بعض ما يوحى إليك ، وذلك جار في اللغة ؛ يقول الرجل لآخر : لعلك تفعل كذا ، أي : لا تفعل ، ونحوه ، [ و ] ( لعل ) من الله يحتمل الإيجاب والإلزام والنهي ، ومن الخلق : [ يحمل ] على النهي والترجي ، والله أعلم . وقوله : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } . خص - عز وجل - عيسى وأمه بأن جعلهما آية ، وجميع البشر في معنى الآية واحد ؛ إذ خلقوا جميعاً من نطفة ، ثم حولت النطفة علقة ، والعلقة مضغة ، إلى آخر ما ينتهي إليه ؛ فيصير إنساناً ؛ فالآية والأعجوبة في خلق الإنسان من النطفة ومما ذكرنا إن لم تكن أكثر وأعظم لم تكن دون خلقه بلا أب ولا زوج وما ذكر ، لكنه خصّهما بذكر الآية فيهما ؛ لخروجهما عن الأمر المعتاد في الخلق ، والعادة الظاهرة فيهم أن يخلقوا من النطفة والأب والتزاوج [ والأسباب التي ] جعلت للتوالد والتناسل الذي تجري فيما بينهم والأسباب التي جعل للتوالد في الخلق ؛ لخروجهما عن الأمر المعتاد والعادة الظاهرة خصّهما بذكر الآية والأعجوبة في خلق البشر من النطفة ، وما ذكر إن لم يكن أكثر وأعظم لم يكن دونه ، وهو كما خصّ بني إسرائيل بالخطاب بالشكر ؛ لما أنعم عليهم من المن والسلوى ، ولما أنجاهم من آل فرعون بقوله : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } [ إبراهيم : 6 ] ، وقال : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } [ البقرة : 47 ] ، وقد كان عليهم من النعم ما هو أعظم وأكثر مما ذكر من المنّ والسلوى ونجاتهم من فرعون وآله ، لكنه خصّهم بذكر المنّ والسلوى واستأدى منهم الشكر بذلك من بين سائر النعم ؛ لأنها خرجت عن المعتاد من النعم المعروفة ، وهم كانوا مخصوصين بهذا من بين غيرهم ؛ فعلى ذلك عيسى وأمه : كانا خارجين عن الأمر المعتاد ومخصوصين بذلك ؛ لذلك خصّهما بذكر الآية ، والآية ما ذكر بعض أهل التأويل أنه خلق من غير أب ، ولدته أمه من غير فعل أمثالها . وقال بعضهم : الآية في عيسى : بأن كلم الناس في المهد صبيّاً ، ونحوه : من إبراء الأكمه ، والأبرص ، وإحياء الموتى ، ومثله . وقوله : { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } . ذكر أنه آواهما إلى ربوة كما يؤوي الأب والأم الولد إلى مكان يتعيش به ؛ إذ الربوة هي مكان التعيش فيه ؛ ألا ترى أنه ذكر { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } هو المكان الذي يستقر فيه ويتعيش . وقوله : { وَمَعِينٍ } ، المعين : هو الماء الجاري الظاهر الذي تأخذه العيون ، وتقع عليه الأبصار . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } . قال عامة أهل التأويل : إنما خاطب بهذا محمداً خاصّة ، على ما يخاطب هو ، والمراد منه : جميع أمته في ذلك . ولكن جائز أن يقال : خاطب به جميع الرسل ؛ لأنهم جميعاً مخاطبون بهذا كله : من أكل الطيبات ، والعمل الصالح ، هذا الخطاب فيه وفي غيرهم ؛ إذ عمهم جميعاً بهذا . ثم الطيبات يحتمل أن يراد بها الحلالات ؛ كأنه قال : كلوا حلالا غير حرام ؛ ألا ترى أنه قال : { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } ، أي : اعملوا صالحاً ، ولا تعملوا سيئاً ؛ فعلى ذلك قوله : { كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } ، أي : كلوا حلالا ولا تأكلوا حراماً : ما خبث . وفيه أنهم يمتحنون كما يمتحن غيرهم بالأمر والنهي . ويحتمل - أيضاً - قوله : { كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } : ما طابت به أنفسكم وتلذذت ، فإن كان على هذا فهو يخرج على الإباحة والرخصة ، ليس على الأمر ، معناه : لكم أن تأكلوا ما تطيب به أنفسكم ، ولكم أن تؤثروا غيركم به على أنفسكم . وإن كان على الأمر فهو على الأمر يخرج والنهي ، والله أعلم . وقوله : { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . ظاهر ، وهو وعيد . وقوله : { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } . جائز أن يكون قوله : { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } : في الكتب المتقدمة ، وعلى لسان الرسل السالفة ؛ كقوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] ، أي : كنتم خير أمة في الكتب المتقدمة وفي الأمم الماضية ؛ فعلى ذلك هذا . وقال بعضهم : قوله : { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ، أي : دينكم دين واحد ، وملتكم ملة واحدة ، وهي الإسلام . وقال بعضهم : لسانكم لسان واحد . وجائز أن يكون قوله : { أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } : لا تختلفون في رسولكم إلى يوم القيامة ، كما اختلف الأمم الذين من قبلكم في رسلهم ؛ بل تجعلوا رسولكم رسولا على ما هو عليه ، وأما سائر الأمم فإنهم قد فرطوا فيهم ؛ حتى كان فيهم [ من ] جعل الرسول ابناً له ؛ كقوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] ، والنصارى ، وأما هؤلاء فإنهم لا يزالون على أمر واحد ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } ، وقال في آية أخرى : { فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] : جائز أن يكونا واحداً ، وجائز أن يكون قوله : { فَٱتَّقُونِ } أي : مخالفتي ، { فَٱعْبُدُونِ } ، أي : اعبدوني وأطيعوني . وقوله : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } . قال بعضهم : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } و ( قطعوا ) واحد ، وهما لغتان ؛ [ نحو ] : تفرقوا وفرقوا . { زُبُراً } : برفع الباء ، وزبرا بنصب الباء ، قال أبو معاذ : من قرأ بالنصب : { زُبُراً } ؛ فمعناه : قطعا ؛ كقوله : { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } [ الكهف : 96 ] ، و { زُبُراً } بالرفع ، أي : كتبا ؛ كقوله : { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } [ الأنعام : 91 ] ، وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] ، ونحوه . وقال في حرف ابن مسعود وأبي : ( وقطعوا الزبور بينهم ) . قال أبو معاذ : ( قطعوا ) و ( تقطعوا ) : لغتان ؛ كَقيلِك : علقت الشيء وتعلقته ، وحولت وتحولت ، ووليت وتوليت ، ونحوه كثير . [ وقوله : ] { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . راضون أو مسرورون بما لديهم من الدين ، أو ما ذكرنا .