Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 54-56)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ قوله : ] { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } ، وقال في آية أخرى : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } [ الزخرف : 83 ] ، وقال : { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 110 ] ، فذلك يحتمل وجوهاً : أحدها : قال ذلك عند الإياس عن إجابتهم لما علم أنهم لا يؤمنون ، وذلك في قوم مخصوصين ؛ كأنه قال : ذر هؤلاء ، وأقبل [ على ] هؤلاء الذين يقبلون أمرك ، ويجيبون دعاءك ويسمعونه . والثاني : فذرهم في غمرتهم ، ولا تكافئهم حتى أنا أكافئهم ؛ كقوله : { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [ الطور : 45 ] . والثالث : أمره أن يعرض عنهم ؛ لئلا يخوضوا في سب الله والطعن في الآية ، كقوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا … } الآية [ الأنعام : 68 ] . وقوله : { حَتَّىٰ حِينٍ } : يحتمل القيامة ، ويحتمل وقتاً آخر لم يبين ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : قوله : { إِلَىٰ رَبْوَةٍ } : المكان المرتفع ، و ( آويته ) ، أي : أويته . وقال القتبي : الربوة ، الارتفاع ، وكل شيء ارتفع أو زاد فقد ربا ، ومنه الربا في البيع . قال أبو معاذ : للعرب في الربوة أربع لغات : رَبوة ورِبوة ورُبوة ورباوة . وقوله : { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ، قال أبو عوسجة : المعين : الماء الظاهر الجاري ، والقرار : الثبات ، وتقول منه : يقرأ قرارا فهو قار ، وأقررته ، أي : أثبته ، وكذلك قال القتبي ، وقال : معين ماء ظاهر ، وهو مفعول من العين : كان أصله ( معيون ) ؛ كما يقال : ثوب مخيط ، وبُرّ مكيل . وقوله : { فِي غَمْرَتِهِمْ } ، قيل : في ضلالتهم [ و ] غفلتهم . وقال [ بعضهم ] : الغمر : الماء الكثير ، وغمرة الحرب وسطها ، [ و ] غمرة الموت : شدته ، [ و ] رجل غمر ، أي : سخي ، ليس به شح ، وجمعه : غمار ، ويقال : غمره الماء ، أي : صار فوقه . قال [ بعضهم ] : والغمر : عداوة ، والغمر : الذي لم يجرب الأمور ، وقوم أغمار ، والغمر : الوسم ، والغمرة : الشدة ، والغمرات جمع ، والغمر : القدح الصغير ، والمغامرة : المخاطرة ، تقول : غامر بنفسه ، أي : خاطر بها . وقوله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } . حسب أولئك الكفرة أن ما أمدّ لهم من الأموال والبنين - ما أعطى لهم - إنما أعطى خيراً لهم وبرّاً لا شرّاً ، فأخبر - عز وجل - وكذبهم في حسبانهم الذي حسبوا ، فقال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أنه إنما أعطى لهم ذلك شرّا ، وإنما مثل ما حسب أولئك الكفرة فيما أعطوا من الأموال والبنين إنما أعطوا خيراً - حسب المعتزلة في قولهم : إن الله تعالى لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين ؛ فأخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح لهم ، وهو ما ذكر في قوله : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 187 ] ، وهم يقولون : إنما يملي لهم ليزدادوا خيراً وبرّاً . وكذلك قالوا في قوله : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا } [ التوبة : 55 ] ، وهم يقولون : لا ؛ بل إنما أراد : ليرحمهم بها . فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله ؟ ! كما قال لأولئك الكفرة ؟ ! حيث قال : { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } [ البقرة : 140 ] إلا أن يكابروا في قوله : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ؛ لما أنهم قالوا ذلك على الظن والحسبان ، لا على العلم ؛ حيث قال : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } ؛ فقال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ؛ حيث قالوا ذلك ظنّاً وحسباناً ، وإنما الواجب عليهم أن يعلموا ذلك علم إحاطة ويقين . فجواب هذا أن يقال : إن عندهم أن ذلك إنما أعطى لهم وأملى خيراً وبرا لهم ؛ فكانوا على يقين من ذلك وإحاطة عند أنفسهم ، وإنما ذلك الظن والحسبان لهم ما عند الله ، وإلا : كانوا على حقيقة العلم عند أنفسهم : أنه إنما أعطاهم ذلك وأمدّ لهم خيراً ؛ فأكذبهم الله في ذلك وردّ عليهم قولهم : إنه إنما أعطاهم ذلك لما ذكروا ؛ بل أخبر أنه إنما أعطاهم ؛ لمضادة ذلك .