Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 63-72)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } . قيل : في عماية وجهالة وغفلة ، { مِّنْ هَـٰذَا } : من الكتاب الذي فيه أعمالهم ، وأحصى عليهم . وقال قائلون في قوله : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } : أي : من هذا القرآن الذي ينطق بالحق ، أي : قلوبهم في عماية وغفلة من هذا القرآن . وجائز أن يكون قوله : { مِّنْ هَـٰذَا } من الأعمال التي ذكر للمؤمنين فيما تقدم : من ذلك قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ … } إلى آخر ما ذكر من أعمالهم ، فأخبر أن قلوب أولئك الكفرة في غفلة وعماية من الأعمال التي عملها المؤمنون ، والله أعلم . وقوله : { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } . اختلف فيه : قال بعضهم : { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ } ، أي : من دون ما عمل أولئك الكفرة من الأعمال التي تقدم ذكرها : من قوله : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } على ما ذكر ، ثم أخبر أن لهم أعمالا دون ما ذكر . وقال قائلون : { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } ، يعني : المؤمنين الذين ذكر أعمالهم ، أي : لهم أعمال دون الذي ذكر لهم دون تلك الأعمال . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } . قال أهل التأويل : ذلك في العذاب الذي أخذ أهل مكة في الدنيا من الجوع الذي نزل بهم حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة ونحوه . لكن الأشبه أن يكون ذلك في عذاب الآخرة ؛ ألا ترى أنه يقول : { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي : يتضرعون . ويقول أيضاً : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } فإنما يخبر : أن كنتم تفعلون كذا في الدنيا ، ويذكر : { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } ؛ فلا يحتمل أن يتضرعوا إليه في الدنيا ، ثم لا يقبل منهم ذلك التضرع ، أو ينهاهم عن التضرع بقوله : { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ } ؛ فدل ذلك أنه في الآخرة ، وهو ما ذكر : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا … } الآية [ غافر : 84 ] ؛ مثل هذا يكون في الآخرة ، وفي الدنيا ما ذكر : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [ المؤمنون : 76 ] : ذكر في عذاب الدنيا أنهم لم يتضرعوا في الدنيا عند نزول العذاب بهم ، [ و ] لا يقبل منهم التضرع والاستكانة ؛ دل ذلك أنه ما ذكرنا ؛ ألا ترى أنه قال : { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ } . نهاهم عن التضرع ، ولا يحتمل النهي عن ذلك . وقوله : { إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } . أي : لا تمنعون من عذابه . وقوله : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } . قوله : { عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } ترجعون على التمثيل ، ليس على التحقيق ؛ لأنهم إذا رجعوا على الأعقاب صار ما كان أمامهم وراءهم ؛ فكأنهم نبذوا ذلك وراء ظهورهم . أو أن يكون المنقلب على الأعقاب كالمكب على الوجه ، والمكب على وجهه مذموم عند جميع من رآه وعاينه ؛ لهذا شبه به وضرب مثله به ، والله أعلم . وقوله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } . قال عامة أهل التأويل : قوله : { بِهِ } ، أي : بالبيت . ووجه هذا : أنهم لما رأوا أنفسهم آمنين بمقامهم عند البيت وفي حرم الله ، وأهل سائر البقاع في خوف - ظنوا أن ذلك لهم ؛ لفضل كرامتهم ومنزلتهم عند الله ؛ فحملهم ذلك على الاستكبار على رسول الله ومن تابعه . وقال بعضهم : { مُسْتَكْبِرِينَ } ، أي : بالقرآن وتأويله ، أي : استكبروا على الله ورسوله لما نزل القرآن ، وإضافة الاستكبار إلى القرآن ؛ لأنهم بنزوله تكبروا على الله ؛ فأضاف استكبارهم إليه ؛ لأنه كان سبب تكبرهم ، وهو كقوله : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ … فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ … } الآية [ التوبة : 124 - 125 ] : أضاف زيادة رجسهم إلى السورة ؛ لما بها يزداد رجسهم وكانت سبب رجسهم ، وإن كانت لا تزيد رجساً في الحقيقة . وقوله : { سَامِراً تَهْجُرُونَ } . قال الزجاج : السامر : هو ظل القمر ، فيه كانوا يهجرون ، والسمر : هو حديث بالليل . قوله : { تَهْجُرُونَ } قال قائلون : تهتدون . وقال بعضهم : تهجرون القرآن ، أي : كانوا لا يعملون به ولا يعبئون ؛ فهو الهجر ، وفيه لغة أخرى : تُهْجِرُون ، وهو كلام الفحش والفساد . وقوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } . قيل : أي : في القرآن ؛ يحتمل قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ } أي : فهلا دبروا ذلك القول الذي يقولون في الآخرة في الدنيا ، وهو قولهم : { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [ الأعراف : 53 ] ، وما ذكر من تضرعهم في الآخرة ، وهو قوله : { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } . وجائز أن يكون قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } ، أي : قد دبّروا القول ، لكنهم تعاندوا وكابروا واستكبروا ولم يخضعوا له ؛ أنفا واستكباراً ؛ أو لا ترى أنه إذا قرع أسماعهم قوله : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] ، وقوله : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ … } الآية [ الإسراء : 88 ] لا يحتمل ألا يدبروا فيه ؛ دل أنهم قد تدبروا فيه وعرفوه ، إلا أنهم تعاندوا وكابروا واستكبروا ؛ أنفا منهم واستكبارا واستنكافا عن اتباعه والخضوع له . قال أبو عوسجة : { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } ، أي : يستغيثون ، قال : وأصله من الصياح . وقال بعضهم : { يَجْأَرُونَ } : يصرخون . وقيل : يصيحون . وقيل : { سَامِراً تَهْجُرُونَ } ما ذكرنا من الحديث بالليل ، { تَهْجُرُونَ } ، أي : تهذون كما يهذي النائم والمريض الشديد المرض . قال : وأهجر يهجر ، من الهُجْر : وهو الفحش ، وَهَجَّر يُهجِّر : إذا سار في الهاجرة ، وهي شدة الحرّ . وقوله : { تَنكِصُونَ } : قال بعضهم : ترجعون ، وقال بعضهم : تستأخرون ؛ كقوله : { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [ الأنفال : 84 ] : ترجعون ، وتستأخرون واحد . وقوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } : قد ذكرنا أنه يخرج على وجهين : أحدهما : على ترك التدبر فيه والتفكر ، والإعراض عنه ، أي : لم يدبّروا فيه ، ولم يتفكروا . والثاني : على إيجاب حقيقة التدبر فيه والتفكر ، أي : قد تدبّروا فيه ، وعرفوا أنه منزل من الله ، لكنهم تركوا متابعته ؛ عنادا وتمرداً [ و ] إشفاقاً على ذهاب رياستهم ، وطمعاً في إبقائها ودوام مأكلتهم ، فأي الوجهين كان ، ففيه لزوم حجج الله وبراهينه على من جهلها ولم يعرفها ؛ بالإعراض عنها وترك التدبر فيها ، حيث استوجبوا عذاب الله ومقته لجهلهم بها : بترك التدبر فيها بعد أن كان لهم سبيل الوصول إلى معرفتها . وظاهر قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ } استفهام ، إلا أنه في الحقيقة : إيجاب لها ؛ لا يجوز أن يستفهم الله أحداً ؛ فهو على الإيجاب لأنه علام الغيوب . وقوله : { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : قد جاءهم ما جاء آباءهم الأولين من الرسل ، ثم [ لم ] يأت هؤلاء شيء إلا ما أتى آباءهم ، لم يخصوا هم بالرسول ؛ فكيف أنكروه ؟ ! ألا ترى أنهم قالوا : { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ فاطر : 42 ] : قد أقرّوا أن في الأمم المتقدمة رسولا ؛ حيث قالوا : { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ فاطر : 42 ] . وعلى ذلك يخرج قوله : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } . أي : قد عرفوا رسولهم ، لكنهم أنكروه وتركوا اتباعه ؛ لما ذكرنا في القرآن من أحد الوجهين ؛ عناداً وتكبرا ؛ إشفاقاً على رياستهم لكي تبقى ؛ ألا ترى أنه قال : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ … } الآية [ البقرة : 146 ] . وعلى هذا ، { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } . أي : قد عرفوا أنه ليس به جنة . وجائز أن يكون قوله : { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } : جاء هؤلاء ما لم يأت آباءهم ، وخصّ هؤلاء ما لم يخص آباءهم . وكذلك قال ابن عباس : لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين . وجائز أن يكون قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } : إلى ما ذكر من قوله : { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } ؛ لأنه يخرج على الأمر بالتدبر فيه ، ومعرفة الرسول أنه ليس كما يصفونه من الجنون وغيره ؛ كقوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ الروم : 8 ] ، أي : تفكروا فيه ؛ فإنه ليس به جنة على ما يصفونه ، أو على ما ذكرنا : أنهم تفكروا وعرفوا : أنه ليس به جنون ، ولا شيء مما وصفوا به ؛ لكنهم أرادوا أن يلبسوا أمره على أتباعهم وسفلتهم ؛ إشفاقاً على إبقاء ما ذكرنا . وقال بعضهم : قوله : { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } : من البراءة من العذاب . وقوله : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } . بالرسالة والقرآن من عند الله ، وجعل العبادة [ له ] من دون الأصنام التي عبدوها . [ وقوله : ] { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } . كرهوا الحق ؛ لما ظنوا أن في اتباعه ذهاب الرئاسة والأسباب التي كانت لهم على أتباعهم ، بعد معرفتهم أنه حق ، أو كرهوا ؛ لما لم يعرفوا في الحقيقة أنه حق ، وإلا [ لا ] أحد ممن يوصف بصحة العقل وسلامته يكره الحق ويترك اتباعه ؛ إلا للوجهين اللذين ذكرناهما ، والله أعلم . وقوله : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } . قال عامة أهل التأويل : الحق - هاهنا - هو الله ، أي : لو تبع الله أهواءهم في كفرهم وشركهم { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } ، وتأويل هذا أن الكفر والشرك مما لا عاقبة له ، وكل شيء لا عاقبة له فهو في الحكمة والعقل فاسد باطل غير مستحسن . وقال بعضهم : الحق - هاهنا - كتاب الله ، وهو القرآن على ما يهوون هم ؛ ليفسد ما ذكر ؛ لأنه يكون خارجاً عن الحكمة . وجائز أن يوصل قوله : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } الحق الذي سبق ذكره ، وهو قوله : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ، أي : لو اتبع ذلك الحق أهواءهم وجاء على ما هوته أنفسهم واشتهت من عبادة غير الله ، وتسميتهم إياها آلهة ، وإنكارهم البعث والتوحيد ، وغير ذلك من الأفعال التي كانوا اختاروها وعملوها - لفسدت السماوات والأرض وما ذكر ؛ لأنه يكون خلقهم وخلق ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهن - لا لما توجبه الحكمة والعقل ؛ إذ خلقهم وخلق ما ذكر لأفعالهم التي يفعلون ؛ فإذا خرج أفعالهم على غير ما توجبه الحكمة والعقل ، بل على السفه والجهل - خرج الذي لها خلق ، [ و ] من أجلها أنشئ ، كذلك ؛ إذ خلق الشيء وفعله لا لعاقبة تقصد - خارج عن الحكمة ، والله أعلم بذلك . وجائز أن يكون الحق هو رسول الله ، أي : رسول الله لو اتبع أهواءهم لفسد ما ذكر . وقوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } . قال أهل التأويل : لشرفهم وذكرهم ؛ كقوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . [ وقوله : ] { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 42 ] . أي : عن شرفهم معرضون . وجائز أن يكون الذكر هو الحق الذي تقدم ذكره ، أي : لو قبلوا ذلك الحق الذي [ جاءهم ] وأقبلوا نحوه يكون في ذلك ذكرهم من بعد هلاكهم ؛ كما يُذكر أصحاب رسول الله من بعد ما ماتوا ؛ ألا ترى أولادهم بذكر آباءهم يتعيشون يقولون : أنا من بني فلان ؛ فيبرّهم الناس بذلك ويكرمونهم ، وأما أولئك فإنهم لا يذكرون بشيء من ذلك ؛ فذلك يدل على ما ذكرنا . ويحتمل قوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } الثناء عليهم أن لو آمنوا ؛ كقوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … } الآية [ آل عمران : 110 ] ، وقوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] ، وقوله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ … } الآية [ التوبة : 100 ] ، ونحو ذلك مما أثنى الله على من آمن منهم ؛ فهم لو آمنوا استوجبوا بذلك الثناء . وجائز أن يكون قوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } ، أي : يُدعى لهم ، وهو ما دعا الملائكة والرسل للمؤمنين ، كقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية [ غافر : 7 ] ، وقوله : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [ غافر : 55 ] ، وقول نوح : { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ … } الآية [ نوح : 28 ] ، وقول إبراهيم ودعائه لهم : لو آمنوا استوجبوا دعاء هؤلاء الملائكة والرسل جميعاً ، أو أن يكون ما ذكرنا من إبقاء ذكرهم إلى يوم القيامة ؛ كما بقي ذكر أولئك الذين آمنوا به وصدقوه ؛ فيكون في ذلك كله شرفهم وقدرهم ؛ على ما قاله أهل التأويل ، والله أعلم . وقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } . جائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : قد عرفوا رسلهم ، { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } ، أي : ليس به جنة ، أي : ليس به شيء يمنعهم عن الإجابة والإيمان به بما يعذرونهم في ترك الإيمان به ؛ فعلى ذلك قوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } ، أي : لم تسألهم أجراً على ما تدعوهم إليه حتى يمنعهم ثقل ذلك الأجر عن إجابته وتصديقه ؛ كقوله - أيضاً - : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] يقطع ما ذكر جميع أعذارهم وحجاجهم ، وإن لم يكن عذر ولا حجة في ترك الإجابة له . وقال بعضهم : الخراج : الرزق ، أي : لا تسألهم رزقاً ، ثم أخبر : { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } .