Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-57)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } قال بعضهم : مكث رسول الله بمكة سنين من بعد ما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون الناس إلى الله - تعالى - سرّاً وعلانية ، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة فكانوا بها خائفين ، يصبحون في السلاح ، ويمسون في السلاح ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح ، فقال رسول الله : " لن تلبثوا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس معهم حديدة " ، فأنزل الله هذه الآية على أثر ما ذكر . وقال بعضهم : لما صدّ المشركون رسول الله وأصحابه يوم الحديبية وعد الله المسلمين أن يظهرهم وأن يفتح لهم مكة ، وقال : وتصديق ذلك ما ذكر في سورة الفتح ، وهو قوله : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ … } الآية [ الفتح : 25 ] ، حتى قال في آخر ذلك : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } الآية [ التوبة : 33 ] ؛ وعد رسوله في القرآن أنه يستخلفهم في الأرض وينزل فيها كما استخلف الذين من قبلهم فجعلهم خلفاء في الأرض . وقال قائلون : كان وعده إياهم في التوراة والإنجيل والزبور أنه يجعلهم خلفاء في الأرض كما فعل بالذين من قبلهم ، ولكن كيفما كان ذلك الوعد لهم في القرآن أو في الكتب المتقدمة ففيه أمران اثنان : أحدهما : البشارة للمسلمين ، والحجة على الكافرين ؛ لأنه وعد لهم الأمن في النصر في وقت لا يرجون ولا يطمعون [ في ] النجاة فضلا أن يطمعوا [ في ] الاستخلاف ، والتمكن في الأرض ، وإظهار الدين الذي ارتضى لهم وهو الإسلام على الأديان كلها ، فإذا كان مثل ذلك الوعد والبشارة لا يطمع ولا يرجى في مثل ذلك الوقت والخوف - علم أنه إنما بشرهم بذلك بوحي من الله ، ووعد منه ، فكان ما وعد دل أنه بالله وعد ذلك وبشر ، فذلك حجة على أولئك ، وبشارة للمؤمنين ، والله أعلم . وقوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . قوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } ليس بشرط فيه ؛ لأنه لو كفر قبل ذلك - أيضاً - فهو فاسق . ثم من الناس من قال : ومن كفر بعد هذه النعم التي أنعمها عليهم ولم يشكره عليها فهو كذا . وجائز أن يكون قوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } ليس له جواب . وقوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما أمركم به ونهاكم عنه { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } هو ظاهر ، قد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع . ثم قال : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } قال بعضهم : { مُعْجِزِينَ } أي : فائتين في الأرض هرباً من عذابه ؛ فلا يدركهم . وقال بعضهم : سابقين في الأرض هرباً - أيضاً - حتى لا يجزون بكفرهم ، وهو واحد { وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } قد ذكرناه أيضاً . وقوله : { لاَ تَحْسَبَنَّ } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنهم ليسوا بفائتين ولا بسابقين عنه ، لكنه ذكر له هذا كما ذكر في قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ } [ إبراهيم : 42 ] هما واحد . وفي حرف ابن مسعود وأبي وحفصة : ( حسب الذين كفروا أن يعجزوا الله في السماوات والأرض ) إنه وإن اختلفت الحروف فالمعنى واحد ، والله أعلم .