Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 46-54)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ … } الآية ؛ قد ذكرناه . وقوله : { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } اختلف فيه : قال بعض أهل التأويل - ابن عباس وغيره - : إنه وقعت بين علي بن أبي طالب وبين عثمان - رضي الله عنه - خصومة في أرض اشتراها عثمان من علي ، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك ، فقضى لعلي على عثمان ، وألزمه الأرض ، فقال قوم لعثمان : إنه ابن عمه وأكرم عليه فقضى عليك له ، أو نحو هذا من الكلام ، فنزل في قوم عثمان ذلك … إلى آخر ما ذكر . لكن هذا بعيد ؛ إذ لا يحتمل أن يكون عثمان أو قومه يخطر ببالهم في رسول الله ما ذكر . وقال بعضهم : نزل هذا في بشر المنافق ، وذلك أن رجلا من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة ، وأن اليهودي دعا بشراً إلى رسول الله ، ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف ، فقال : إن محمداً يحيف علينا ، أو نحوه من الكلام ؛ فنزل هذا ؛ لكنا لا نعلم أنه فيمن نزل سوى أن فيه بياناً أنها إنما نزلت في المنافقين . وفي ظاهر الآية دلالة أنهم علموا أن رسول الله لا يقضي إلا بالحق ؛ ألا ترى أنه ذكر في آخره : { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } مسرعين مطيعين ، ولو كان عندهم أنه يقضي بالجور لكانوا لا يأتونه للقضاء ، وإن كان الحق لهم مخافة الجور والظلم عليهم ، لكن ما ذكر في سياق هذا يمنع هذا التأويل . وقوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } في هذا من الدلالة أن عندهم أنه لا يقضي بالحق لهم ، وأنه يجور ؛ حيث قال : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } إن كان على هذا الوصف فهو يخاف جوره وحيفه ، إلا أن تجعل الآية في فرق من المنافقين : فرقة منهم عرفوا أنه لا يقضي إلا بالحق ، وفرقة منهم كان في قلوبهم مرض ، وفرقة ارتابوا ، وفرقة خافوا جوره ، وهم كانوا فرقاً ؛ ألا ترى أنه قال : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } [ التوبة : 75 ] ومنهم من قال : كذا ، ومنهم من قال : كذا . أو أن يكون تأويل قوله : { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } أي : وإن يكن لهم القضاء بالحق أتوه مذعنين ؛ أي : إذا عرفوا أنه يقضي لهم لا محالة أتوه ، وإلا لا يأتونه ، فإن كان على هذا ، فما ذكر على سياقه من المرض والارتياب والخوف في الحيف فمستقيم . على هذين الوجهين يحتمل أن يخرج تأويل الآية ، وأما على غير ذلك فإنا لا نعلم ، والله أعلم . وقوله : { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ لأن من ارتاب ، أو شك في رسالته ، أو خاف جوره وحيفه فهو كافر ، ليس بمؤمن . وفي قوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ } يخرج على وجهين وإن كان ظاهره حرف شك : أحدهما : على الإيجاب والتحقيق ، أي : في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا على ما ذكرنا في حرف الاستفهام أنه في الظاهر ، وإن كان استفهاماً فهو في التحقيق علم وإيجاب ؛ أي : قد علمت ورأيت ونحوه ؛ لما لا يجوز الاستفهام منه ، فعلى ذلك هذا . والثاني : ما ذكرنا أنه في فرق : فرقة عرفت أنه لا يقضي إلا بالحق ، وفرقة منهم ارتابت ، وفرقة منهم خافت جوره وظلمه . قال القتبي : قوله : { مُذْعِنِينَ } أي : خاضعين . وقال أبو عوسجة : مسرعين ، مطيعين ؛ يقال : ناقة مذعان : أي سريعة ، ونوق مذاعين ، والحيف : الجور ، حاف يحيف حيفاً فهو حائف . وقوله : { إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } قوله : { دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } يحتمل إضافة الدعاء إلى الله وجهين : أحدهما : دعوا إلى كتاب الله وإلى رسوله : { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } ، كقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] . والثاني : إضافته إلى الله هي إضافة إلى رسوله ، كقوله : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] جعل طاعة الرسول طاعة لله ؛ فعلى ذلك جائز أن يراد بإضافة الدعاء إلى الله دعاء إلى رسول الله ، وعلى ذلك يخرج قوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } لا يحتمل أن يكونوا يخافون حيف الله وجوره ، لكن إنما يخافون جور رسوله أو كتابه ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قد ذكرنا إضافة الدعاء إلى الله في قصّة المنافقين ونعتهم ، فعلى ذلك في نعت المؤمنين . وقوله : { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } يحتمل قوله : { سَمِعْنَا } أي : سمعنا الدعاء وأطعنا الأمر . ويحتمل : سمعنا : أجبنا وأطعنا الأمر . وجائز أن يكون قوله : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ليس على حقيقة القول منهم والنطق به ، ولكن إخبار من الله - تعالى - عما هم عليه واعتقدوا به ؛ إذ كل مؤمن يعتقد في أصل اعتقاده طاعة الله وطاعة رسوله ، فيكون كما ذكر في آية أخرى : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [ الإنسان : 9 ] هذا أخبار عما أطعموهم ، ليس أنهم قالوا باللسان : إنما نطعمكم لكذا ، ولكن إخبار عما في قلوبهم ، فعلى ذلك الأوّل . وقوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } المفلح هو الذي يظفر بحاجته دنيوية وأخروية ؛ يقال : فلان أفلح : أي : ظفر بحاجته ، والله أعلم . وقوله : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ } يحتمل قوله : { وَيَخْشَ ٱللَّهَ } أي : يخشى الله على ما مضى من ذنوبه ويتقيه فيما بقي من عمره . أو يخشى الله على ما يكون منه من التقصير والتفريط ويتقي ذلك وكل معصية الله ومخالفته { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } وفي حرف ابن مسعود وأبيّ وحفصة ( فأولئك هم المؤمنون ) فهما واحد . وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } قال بعضهم : كل يمين بالله فهي جهد اليمين ؛ لأنهم من عاداتهم أنهم كانوا لا يحلفون بالله إلا في العظيم من الأمر والخطير ، فأمّا الأمر الدون فإنما يحلفون بغيره ، فيكون على هذا كل يمين بالله فهو جهد اليمين . ويحتمل أن يكونوا حلفوا بيمين غليظة شديدة على ما يغلظ الناس في أيمانهم ربّما ، فسمي ذلك جهد اليمين . أو أن يكون جهد اليمين ما ذكر على أثره ، وهو قوله : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } قوله : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } هو جهد أيمانهم ، والله أعلم . وقوله : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } قوله : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ } يحتمل وجوهاً : لئن أمرتهم ليخرجن من أرضهم التي تخاصموا إليه فيها ؛ أي : ليخرجن ويسلمونها إلى خصمهم . ويحتمل : لئن أمرتهم { لَيَخْرُجُنَّ } من جميع أملاكهم وما تحويه أيديهم ، تعظيماً لأمرك وإجلالا ، فكيف لا يتبعون لقضائك وينقادون لحكمك . وجائز أن يكون قوله : { لَيَخْرُجُنَّ } من المدينة بعيالاتهم وجميع حواشيهم إلى بلدة أخرى . وقال بعضهم : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } أي : أمرتهم أن يخرجوا في الجهاد ليخرجن ؛ لأنهم كانوا يتخلّفون . ثم أمر رسوله أن ينهاهم عن القسم الذي أقسموا فقال : { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } اختلف فيه : قال بعضهم : لا تقسموا ؛ فإن الله لو بلغ منكم الجهد لهم تبلغوه ، ثم قال : { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } يقول : أطيعوه وقولوا له المعروف . وقال بعضهم : قوله : { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ } تم الكلام ، ثم قال : { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } . وفي هذا الكلام حذف ؛ للإيجاز يستدل بظاهره عليه ؛ كأن القوم كانوا ينافقون ويحلفون في الظاهر على ما يضمرون خلافه ، فقيل لهم : لا تقسموا هي طاعة معروفة صحيحة لا نفاق فيها ، لا طاعة فيها نفاق . وقال بعضهم : لا تحلفوا ، ولتكن هذه منكم للنبيّ طاعة معروفة حسنة . وقال بعضهم : { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } يقول : طاعة يعرف أنها طاعة بالقول والعمل ، لا تكونوا كاذبين فيها بالقول دون العمل ، وبعضه قريب من بعض : { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فلا تقسموا . وفيه دلالة إثبات رسالته ؛ لأنهم كانوا يسرون ويضمرون فيما بينهم التولي والإعراض عن حكمه ، ثم أخبرهم بذلك ؛ فعلموا أنه بالله عرف ذلك . وقوله : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي : فإن تولوا عن طاعة الله وطاعة رسوله { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } قال : فإنما على النبي ما أمر بتبليغ الرسالة وعليكم ما حملتم وأمرتم من الطاعة لله ورسوله . ويحتمل : فأنما عليه أداء ما حمل من الفرائض ، وعليكم أداء ما حملتم وأمرتم من الفرائض . وجائز أن يكون قوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } أي : لا يسأل هو ، ولا يؤاخذ بما عليكم ، ولا تسألون أنتم ولا تؤاخذون - أيضاً - بما عليه ؛ إنما يسأل كل عما عليه ؛ كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] والله أعلم . وقوله : { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } لا شك أنهم إن أطاعوه اهتدوا { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } ظاهر .