Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 30-34)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } : قال بعضهم : المهجور : هو الذي لا ينتفع ولا يعمل به وقال أبو عوسجة والقتبي : مهجوراً أي : تركوه مهجورا ، أي : متروكا ، ويقال : مهجورا أي : كالهذيان ، والهجر الاسم يقال : فلان يهجر في منامه ، أي : يهذي ، وهو بالفارسية " بلايه كفتى " . وقوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } ، أي : مثل الذي جعلنا لك من العدو من الكفرة جعلنا لكل نبي من قبلك عدوّاً . ثم العداوة تكون في الدين مرة ، ومرة في الأنفس وأحوالها . فإن كان العدو عدوا في الدين ، فجميع الكفرة له أعداء لخلافهم له في الدين ، ويكون حرف ( من ) صلة ، أي : جعلنا لكل نبي المجرمين أعداء . وإن كان على تحقيق ( من ) وإثباتها فالعداوة عداوة في الدين والإخوان ، وذلك راجع إلى الفراعنة وأضداد الرسل ، ما من رسول إلا وله فراعنة وأضداد ينازعونه ويقاتلونه ويهمون قتله . ثم بشر رسوله بالحفظ له والنصر والظفر على أعدائه ، وهو قوله : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } : ذكر أهل التأويل أن أهل مكة كانوا يأتون رسول الله فيتبعونه ويسألونه ويقولون : يا محمد ، أتزعم أنك رسول من عند الله ، أفلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة ؛ كما أنزلت التوراة جملة واحدة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، والزبور على داود فقال : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } : أي : بمثل الذي نثبت به فؤادك . ثم يحتمل قوله : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } وجهين : أحدهما : أنزلناه متفرقاً لنثبته في فؤادك تحفظه وتذكره ؛ لأن حفظ الشيء إذا كان سماعه بالتفاريق كان حفظه أهون ، وأيسر من حفظه إذا سمع جملة واحدة ، وخاصة إذا كان الكلام من أجناس وأنواع . والثاني : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } أي : لنثبت بما في القرآن من الحكمة والمعاني فؤادك . ثم يحتمل قوله : { فُؤَادَكَ } أنه يراد به : فؤاد من يسمع إليه ويسمعه ، فإن كان هذا فهو كقوله : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ … } الآية [ الإسراء : 106 ] ، على ما ذكرنا أنه يكون أسرع حفظاً وأهون ثباتاً من سماعه جملة . وجائز أن يكون أراد فؤاده ؛ كقوله : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [ القيامة : 16 - 17 ] ، وقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ * إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [ الأعلى : 6 - 7 ] كان يعجل بحفظه إذا قرئ عليه ؛ خوفاً أن يذهب ، فأخبره أنه يثبت فؤاده وينزله بالتفاريق ؛ لكي يحفظه ويذكره . ثم إن كان المراد تثبيته في الفؤاد : هو ما فيه من الحكمة والمعاني وقراءته على الناس على مكث كذلك فهو - والله أعلم - ينزله على قدر النوازل والحوائج ؛ ليكونوا أحفظ لتلك المعاني وأعرف بمواضعها ، وتقدير غيرها من النوازل بها من أن نزل جملة في دفعة واحدة ، والله أعلم . وقوله : { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي : بصفة يشبهون بها على الخلق إلا جئناك بصفة هي أحق مما أتوا بها هم ، فترفع تلك الشبهة عنهم ، أعني : عن الخلق . أو أن يقال : ولا يأتونك بصفة هي باطل إلا جئناك بحق - أي : بصفة هي حق - فتبطل تلك وتضمحل . { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } أي : بياناً من الأول ؛ على التأويل الأول ، وعلى التأويل الثاني ظاهر لا شك أنه أحسن وأحق . قال أبو عوسجة : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } أي : أنزلنا بعضه بعد بعض ، وعلى أثر بعض ، لم ننزله في مرة واحدة ؛ وكذلك قال في قوله : { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ] . وقال بعضهم : قوله : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } أي : بيناه تبيانا . وقال بعضهم في قوله : { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } ، قال : لا يخاصمونك بشيء ولا يجادلونك إلا جئناك بالحق - يعني : القرآن - { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } ، يقول : جئناك بالقرآن بأحسن مما جاءوا به تفسيرا ، وهو قريب مما ذكرنا بدءاً . وفي حرف حفصة : { إلا جئناك بأحق منه وأحسن تفسيرا } ، وهو شبيه ببعض التأويلات التي ذكرناها . وقوله : { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } : يشبه أن يكون ذكر هذا على مقابلة سبقت ، وإلا على الابتداء لا يستقيم ذكره ؛ فجائز أن يكون ذكره على مقابلة قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً … } الآية [ الفرقان : 24 ] ، هذا ذكر مقام أهل الجنة ، فذكر مقابل ذلك مكان أهل النار ، فقال : { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } أي : شر مكانا في الآخرة ، وأضل سبيلا في الدنيا ، ويكون مقابل قوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } [ مريم : 73 ] ، فقال : { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان : 34 ] من الذين آمنوا ، بل مقامهم الجنة - أعني : المؤمنين - ومقام الكفرة النار ، فهم شر مكاناً منهم . وفي بعض الأخبار : " أن رجلا قال : يا نبي الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال : " إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه " .