Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 141-159)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ } : قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : كنت أميناً قبل ذلك ، فكيف تتهموني اليوم ؟ ! ويقال : أمين على الرسالة ناصح لكم ، وقد ذكرنا تأويله ، إلى قوله : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وقوله : { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } : يخرج على وجهين : أحدهما : أتتركون هذا ، وإن خرج على الاستفهام فكأنه قال على الإخبار : ولا تتركون فيما ذكر آمنين . والثاني : أتتركون : أي : أتظنون أن تتركوا فيما هاهنا آمنين ، أي : لا تظنوا أن تتركوا . { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } . قال بعضهم : الهضيم : المتهشم . وقال بعضهم : الذي أرطب بعضه ، وهو الذي يسمى : المذنب . وعن ابن عباس قال : هو الذي قد أرطب واسترخى وهو اللين . وعن الحسن : الذي ليس له نوى . وقال بعضهم : هو من الرطب الهضيم ، وهو الذي ينقطع للينه ، ومن اليابس : الهشيم يتكسر ليبوسته . وقال القتبي : والهضيم : الطلع قبل أن ينشق عنه القشر وينفتح . وقال أبو عوسجة : الهضيم : الذي لا شوك فيه ولا مشقة . وقال بعضهم : الهضيم : هو الذي يتراكم بعضه بعضا ، ويكون فوق بعض . ولو قيل : إن الهضيم هو الهنيء المريء الذي لا داء فيه ولا مشقة يهضم كل ما فيه داء ومرض ؛ ولذلك سمي الهاضوم : هاضوما ، وهو الذي يهني الطعام ويهضمه - لجاز ، والله أعلم . وقوله : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } بالألف ، و { فرهين } بغير ألف : { فَارِهِينَ } أي : حاذقين مجيدين ، أي : لهم حذاقة وبصر في نحت البيوت في الجبال ؛ يقال : فلان فاره في أمر كذا ، أي : حاذق . و { فرهين } أشرين بطرين ، أي : فرحين . قال القتبي : والفرح : قد يكون السرور ، ويكون الأشر ، ومنه قول الله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] أي : الأشرين . قال : ومن قرأها { فَارِهِينَ } - بالألف - فهي لغة أخرى ؛ يقال : فره ، وفاره ؛ كما يقال : فرح ، فارح ، ويقال : فارهين : حاذقين . وقال أبو عوسجة : فارهين وفرحين ، أي : مسرورين ، ويقال : فره يفره فرهاً ، فهو فَرِهٌ وفاره . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } : يقول - والله أعلم - : اتقوا نقمة الله في مخالفتكم أمره ، وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين ، أي : لا تطيعوا أمر من ظهر لكم منه الإسراف والفساد ، ولكن أطيعوا أمري ؛ إذا لم يظهر لكم مني إسراف ولا فساد ، ولا تطيعوا الذين تعلمون أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون . أو أن يكون قوله : { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } مؤخرا عن قوله : { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } ؛ يقول لهم صالح : تتركون طاعتي والإجابة لي لأني بشر مثلكم ؛ فلا تطيعوا إذن بشرا هو دوني ، وهم الذين ظهر لكم منهم الفساد والإسراف ، ولم يظهر لكم مني شيء : يخبر عن سفههم وقلة تمييزهم ؛ حيث تركوا اتباع الرسل وطاعتهم ؛ لأنهم بشر دونهم في كل شيء ، ثم أجابوا صالحاً في قوله : { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } . فقالوا : { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } : اختلف فيه : قال بعضهم : يقولون : إنما أنت سوقة مثلنا ، لست بأفضلنا ، وإنما نتبع نحن الملوك وذا ثروة من المال ، وأنت لست بملك ولا لك ثروة ، فهم - والله أعلم - طعنوا صالحاً كما طعن كفار مكة رسول الله حيث قالوا : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] . وقال بعضهم : يقولون : أنت بشر مثلنا في المنزلة ، لا تفضلنا بشيء لست بملك ولا رسول ، { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } بأنك رسول ، فنتبعك كما أطعنا أولئك وأولئك . وقال القتبي : { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } ، أي : من المعللين بالطعام والشراب ؛ وهو مثل الأول . وقال أبو عوسجة : { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } ممن له سحروا السحر ألوية ، وأسحار جمع . وقال بعضهم : من المسحورين ، لكنه عند الكثرة يشدد ، والله أعلم . ثم قال صالح : { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } : ذكر أهل التأويل أن الماء منقسم بينهم : كان يوم لهم ويوم للناقة ، واستدلوا بقوله : { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ، فلما كان يوم لها معلوم ، لكن ليس في الآية دلالة أن الأمر ما وصفوا ، ولكن في الآية أن الماء قسمة بينهم : كل يوم لهم ويوم شرب محتضر ، وظاهره أن الماء بينهم بالقسمة لا الشرب . وقوله : { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } : جائز أن يكون الماء بينهم بعضه للناقة وبعضه لهم ، ثم لهم يوم معلوم ليس للناقة في ذلك اليوم شيء ، والله أعلم . وقد ذكرنا أن هذه الأنباء إنما ذكرت في كتبهم حجة لرسول الله ؛ فلا يزاد على ما ذكر في الكتاب ؛ مخافة أن تذهب حجته عليهم - أعني : أهل الكتاب - لئلا يكذبوا رسول الله فيما يخبر من الأنباء التي في كتبهم . وقوله : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } : يحتمل قوله : { فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } إذا هلكوا ، وإلا لو ندموا على صنيعهم وتابوا قبل أن يهلكوا لقبل ذلك منهم . وقوله : { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } : كل آية آتاهم الرسل على أثر السؤال فكذبوها أخذهم العذاب فأهلكوا . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } : قد ذكرناه .