Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 160-175)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } : قد ذكر بالتأنيث على إضمار جماعة ؛ كأنه قال : كذبت جماعة قوم لوط المرسلين . { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ … } إلى قوله : { ٱلْعَالَمِينَ } قد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } ، وقال في آية أخرى : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 28 ] . وقوله : { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } أي : تذرون ما جعل الله ذلك طلباً لإبقاء هذا النسل ؛ لأنه لم يجعل النساء لهم لقضاء الشهوات خاصة ، ولكن إنما جعل لهم الأزواج لإبقاء هذا النسل ودوامه ، فيعيرهم لوط بتركهم إتيان النساء ؛ لما في ذلك انقطاع ما جعلن هن له وهو إبقاء النسل ، واشتغالهم بالرجال ، وليس في ذلك إبقاء النسل ، هذا - والله أعلم - معنى قوله : { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } ، وإنما خلق لبقاء النسل لا لقضاء الشهوة خاصة ، لكن جعل فيهم ومكن قضاء الشهوات ؛ ليرغبهم على ذلك ليبقى هذا النسل إلى يوم القيامة ، وإلا لو لم يجعل ذلك فيهم لعلهم لا يتكلفون ذلك ، ولا يتحملون هذه المؤن التي يتكلفون حملها لذلك . وفي الآية دلالة أن المرأة هي المملوكة عليها دون الزوج ، والزوج هو المالك عليها حيث قال : { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } ، وقال في آية أخرى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً … } الآية [ الروم : 21 ] ، أخبر أنه خلق النساء لنا لا أنه خلقنا لهن ، وفي ذلك حجة لأصحابنا في قولهم : إن المسلم إذا تزوج نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح ؛ لأنه هو المتملك عليها النكاح وهي المملوكة ، والله أعلم . وقوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أي : بل أنتم قوم متجاوزون حده الذي حد لكم . أو عادون حقه الذي له عليكم . أو عادون . وقوله : { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } : ذكر الانتهاء ولم يبين عن ماذا ، فجائز أن يكونوا قالوا : لئن لم تنته يا لوط من تعييرك الذي تعيرنا به لتكونن من المخرجين . ويحتمل : لئن لم تنته من دعائك الذي تدعونا إليه لتكونن كذا . وقوله : { لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } : يحتمل نفس الإخراج ، أي : نخرجك من القرية ومن بيننا . وجائز أن يكون أرادوا بالإخراج : إخراجاً بالقتل ؛ كقول قوم نوح حيث قالوا : { لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } [ الشعراء : 116 ] ، وهو أشبه . ثم قال لوط : { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } أي : من المبغضين ، أي : كيف توعدونني بالإخراج ، وإني لعملكم الذي تعملون من المبغضين ؛ أكره المقام فيكم ، وأبغض رؤية أعمالكم التي تعملون ، فكيف توعدونني بالإخراج ؟ ! . ثم دعا فقال : { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } : هذا يحتمل وجوهاً . أحدها : رب نجني وأهلي من عذاب ما يعملون وجزائه . أو أن يكون : رب نجني وأهلي من عمل ما يعملون من الخبائث ؛ كقول إبراهيم : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] . أو أن يقول : رب نجني وأهلي عن رؤية ما يعملون ومعاقبته . ثم قال : { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } : قد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } : يحتمل أن يكون أمطر عليهم الحجارة بعدما قلبهم ظهراً لبطن وبطناً لظهر ؛ كقوله : { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً } [ هود : 82 ] . وجائز أن يكون جعل عاليها سافلها بما أمطر عليهم من الحجارة . وجائز أن يكون جعل القريات ومن فيها عاليها سافلها ، وأمطر على من كان غائباً منهم الحجارة . قال أبو عوسجة والقتبي : { مِّنَ ٱلْقَالِينَ } أي : من المبغضين ، يقال : قليت الرجل إذا أبغضته ، ومن ذلك قوله : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [ الضحى : 3 ] ، والغابر : الباقي .