Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-9)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { طسۤمۤ } قد ذكرنا تأويل الحروف المعجمة فيما تقدم ؛ وكذلك قوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } قد ذكرنا تأويله ، أيضاً . وقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } : كان يشتد على رسول الله تركهم الإيمان وتكذيبهم إياه ؛ إشفاقاً وخوفاً عليهم ، وتعظيماً لله وإجلالا لحقه ، حتى كادت نفسه تهلك حزناً على ذلك ؛ وكقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] ، والأسف : هو النهاية في الحزن ؛ كقول يعقوب : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [ يوسف : 84 ] . وقال بعضهم : الأسف : هو النهاية في الغضب ؛ كقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] قيل : أغضبونا ، وقد ذكرنا في سورة يوسف على ما ذكر الله ورسوله ووصفه كان مطبوباً بحزن وتأسف لمكان كفرهم وتكذيبهم ؛ كقوله : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ … } الآية [ التوبة : 128 ] ، يحزن عليهم إشفاقاً عليهم ، ويغضب عليهم لله تعظيماً له وإجلالا لأمره لما ضيعوا أمره ونهيه ، وهكذا الواجب على كل من رأى آخر في فاحشة أو كبيرة أن يحزن ويترحم عليه ويغضب لله لما ارتكب من الفاحشة . وقوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } : قالت المعتزلة : قوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } مشيئة قسر وقهر حتى يضطروا لها فيؤمنوا . لكن عندنا مشيئة الإيمان والاختيار ، أي : إن شاء إيمانهم ينزل عليهم آية فيؤمنوا ؛ لأن الآية لا تضطر أحداً ولا تقهر على الإيمان ، دليله قوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } الآية [ الأنعام : 111 ] ، أخبر أنهم لا يؤمنون وإن فعل ما ذكر ، ولا يضطرهم ذلك على الإيمان ؛ وكذلك ما أخبر عنهم في الآخرة ، قال : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ … } الآية [ المجادلة : 18 ] . وقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ … } الآية [ الأنعام : 23 ] ، أخبر عن خلفهم وإنكارهم في الآخرة : أنهم لم يكونوا على ما كانوا ، ولا تكون آية أعظم مما عاينوا من أنواع العذاب ، ثم لم يمنعهم ذلك عن التكذيب ، ولا اضطرهم على الإقرار والتصديق ؛ دل أن الآية وإن كانت عظيمة لا تضطر أهلها على الإيمان والتصديق ، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم ما يغنينا عن ذكرها في هذا الموضع . وقوله : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } أي : مالت وخضعت لها أعناقهم ، والأعناق كأنها كناية عن أنفسهم . وعن ابن عباس قال : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قال : سيكون لنا دولة على بني أمية ، فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة وهوانا بعد عزة ، فقد كان ذلك . وقال بعضهم : الأعناق : السادة والقادة ، والواحد عنق ، أي : إذا أسلم القادة أسلم الأتباع اتباعاً لهم ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } : قال بعضهم : يقول : كلما نزل شيء بعد شيء من الموعظة والذكر فهو محدث من الأزل . وجائز أن يكون قوله : { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ } مما به فيه ذكرهم في الآخرين وشرفهم في الخلق إلا كانوا عنه معرضين ؛ لأنهم لو آمنوا لذكروا في الناس ، وبقي لهم ذكر وشرف كذكر الأنبياء والرسل فيهم إلى آخر الدهر . وقوله : { مُحْدَثٍ } هو محدث على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما . قال القتبي وأبو عوسجة : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } كما تقول : ظللت اليوم ، قالا : والأعناق : السادة والواحد منه : عنق . وقوله : { فَقَدْ كَذَّبُواْ … } الآية : هي ظاهرة ؛ قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : قد رأوا ما أنبتنا وأخرجنا منها . والثاني : على الأمر ، أي : رأوا ما أنبتنا في الأرض ، وأخرجنا منها . { مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } : قال الحسن : الكريم : الحسن البهيج . وقوله : { مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي : جنس حسن . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } : يحتمل قوله : { لآيَةً } لوحدانية الله وألوهيته ، وآية لسلطانه وقدرته ، وآية لعلمه وتدبيره ؛ لأن من قدر على إحياء النبات والأرض بعد ما يبس وجف لقادر على إحياء الموتى وبعثهم . ودل إخراج النبات من الأرض في كل عام على حد واحد ، وعلى قدر وميزان واحد ، على أنه إنما خرج ذلك عن تدبير وعلم ذاتي وقدرة ذاتية ، ليست بمستفادة ؛ فدل ذلك كله أنه فعل واحد قادر مدبّر عالم ، لا يعجزه شيء أو لا يخفى عليه شيء ، والله الموفق . وقوله : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } : يحتمل قوله : وما كان أكثر الذين بعث إليهم محمد مؤمنين ، وهم الذين كانوا وقت مبعثه . وجائز أن يكون : وما أكثر ما يكونوا مؤمنين . وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } : جائز أن يقال : العزيز : المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه . ويحتمل : العزيز على الخلائق كلهم ، وهم أذلاء دونه ، به يعز من عز .