Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 221-227)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } : خرج هذا - والله أعلم - وما تقدم ذكره من الآيات جواباً لقول كان من رؤساء الكفرة وقادتهم لا يزالون يلبسون على أتباعهم والسفلة أمر رسول الله وما ينزل ، فقالوا مرة : { أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنعام : 25 ] ، ومرة : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، وأنه شاعر وأنه ساحر ، ومرة قالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] ، وأمثال هذا ، فجائز أن كان منهم - أيضاً - قول : إن الشياطين هم الذين يتنزلون بهذا القرآن عليه ، على ما ذكر أنهم قالوا : يجيء به الرئي - وهو الشيطان - فيلقيه على لسانه ، فقال عند ذلك جواباً لهم : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ … } الآية ، ولكن إنما يتنزل به جبريل حيث قال : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ … } الآية [ النحل : 102 ] . ثم أخبر عن الشياطين أنهم على من ينزلون حيث قال : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } فقال : { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } ، ذكر هذا لما عرفوا هم أن الشياطين لا يتنزلون إلا بكذب وباطل ، فمن لا ينزل إلا بكذب وباطل لا ينزل إلا على كذاب أفاك ، وكان معلوما عندهم أن محمدا لم يكذب قط ولا أفك أبداً ؛ إذ لم يأخذوه يكذب فيما بينهم قط ، فيقول - والله أعلم - كيف يتنزل عليه الشياطين وهو معروف عندكم أنه ليس بكذاب ولا أفاك ، وقد تعلمون أن الشياطين لا ينزلون إلا بكذب وباطل ؟ ! على هذا يخرج تأويل هذه الآيات ، وإلا على الابتداء لا يحتمل أن تكون . ثم أخبر عن صنيع الشياطين فقال : { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } : قال بعضهم : يلقي الشياطين بآذانهم إلى السمع في السماء لكلام الملائكة ، وذلك أن الله إذا أراد أمراً في الأرض علم به أهل السماء من الملائكة ، فيتكلمون به فيسمع الشياطين ذلك ، فيخبرون به الكهنة ، فيخبر الكهنة أهل الأرض بذلك ، فيقولون : إنه يكون في الأرض كذا في وقت كذا ، ثم قال : { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } - على هذا التأويل - : وأكثر الشياطين كاذبون فيما يخبرون الكهنة من أخبار السماء . وقال بعضهم : إن الجن كانوا يصعدون إلى السماء فيسترقون أسماعهم إلى السماء ، فيسمعون من أخبار أهلها ، ثم ينزلون به على الكهنة ، ويسمع الكهنة - أيضاً - من أخبار الرسل ، ويخلطون ما سمعوا من الرسل من الحق بما سمعوا من الشياطين . وقال بعضهم : كانوا يسمعون من الجن حقّاً ، لكنهم يخلطون من عند أنفسهم كذباً ، فيحدثون به الناس ، حتى إذا كان الناس يتركون ما يسمعون منهم من الكذب ، حدثوهم بذلك الحق الذي نزل به من السماء ، ويراجعونهم ويصدقونهم ؛ فذلك قول الله : { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي : أكثر قولهم كذب ، والله أعلم بذلك . وقوله : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } قال بعضهم : رجلان شاعران كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم آخرين ، فهجوا رسول الله وأصحابه ومع كل واحد منهما غواة من قومه ؛ فذلك قوله : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } . قال : فاستأذن شعراء المسلمين النبي أن يقتصوا من المشركين ، فأذن لهم النبي ، فهجوا المشركين ومدحوا النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ؛ أخبر في الأول : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } ، فاستثنى شعراء المسلمين بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . وقال بعضهم : الشعراء عصاة الجن يتبعهم غواة الإنس ؛ كقوله : { شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [ الأنعام : 112 ] . وقال بعضهم : هم الكفار ضلال الجن والإنس ؛ وهو مثل الأول . وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } : قال بعضهم : في كل فن يأخذون ، أي : يمدحون قوماً بباطل ، ويذمون قوماً بباطل . { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، وأنهم يصفون ما لا يعلمون ؛ وكذلك ذكر في بعض الحروف أنه كذلك . وقال بعضهم : إنهم في كل لغو وباطل يخوضون . { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } يقول : في أكثر قولهم يكذبون . وقال بعضهم : { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } أي : يقولون : فعلنا كذا ، وهم كذبة ؛ لم يفعلوا ذلك . وقال أبو عوسجة : { يَهِيمُونَ } أي : يذهبون ويمضون ويركبون كل واد ، هام يهيم هيماً فهو هائم ، ويقال : الهائم : العطشان ، يقول : هام يهيم هيما ، وهيمان ، عطشان ، وقوم هيم ، والهائم ، الواهن المحب الذي هو عطشان إلى لقاء من يحب ، والتهويم : النوم ؛ يقال : هوم يهوم تهويما ، وقوله : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } [ الواقعة : 55 ] هم العطاش ، والواحد : هيمان . وقال القتبي : { فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } أي : في كل واد من القول [ و ] في كل مذهب يذهبون ؛ كما يذهب الهائم على وجهه . وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } : هذا الاستثناء يحتمل أن يكون من قوله : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } وهو ما ذكرنا ؛ كأنه قال : أولئك الشعراء وهم القادة منهم الذين قالوا : نحن نقول بمثل ما أتى محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا الشعر وأنشدوه واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ، ويروون عنهم حين يهجون النبي وأصحابه ، فاستثنى شعراء المسلمين الذين قالوا الشعر وأنشدوه في انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } فإنهم لا يتبعهم الغاوون . أو أن يكون الاستثناء من قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } فإنهم لا يهيمون في كل واد ، ويقولون ما يفعلون ، ولا يقولون ما لا يفعلون ، بل يذكرون الله كثيراً وينتصرون لرسوله ؛ ولأنفسهم من بعد ما ظلموا ؛ فيكون الاستثناء في أحد التأويلين من الاتباع [ و ] في الآخر من الأئمة والقادة ؛ فكان منهم قول سبق في ذلك ، حتى قال : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ . … } إلى آخر ما ذكر ؛ إذ لا يحتمل على الابتداء دون قول كان منهم على ما ذكرنا في قوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ … } ، وقوله : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ … } الآية ، قد كان من أولئك الكفرة قول وطعن بأن الشياطين هم الذين يتنزلون به عليه ، حتى خرج جواباً لهم : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ } ، وإن لم يذكر ذلك ، يظهر ذلك في الجواب أن كان منهم قول وطعن ، وإن لم يذكر ، ثم أوعدهم وقال : { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } يحتمل في الآخرة في منقلب الظلمة وهي النار ، أي : يعلمون علم عيان يومئذ ، وإن لم يعلموا ذلك في الدنيا علم استدلال لما تركوا النظر فيه . أو يعلمون ذلك علم عيان في الآخرة ، وإن علموا في الدنيا علم استدلال ، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا ، والله أعلم وصلى الله على رسولنا محمد وآله أجمعين .