Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 213-220)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد ذكرنا وجه النهي لرسول الله في قوله : { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } وأمثاله ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } : روي عن أبي هريرة قال : " لما نزلت هذه الآية : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ، فخص وعم فقال : " يا معشر قريش ، أنقذوا أنفسكم من النار ؛ فإني لا أملك لكم من الله نفعاً ولا ضرّاً ، يا معشر بني قصي ، أنقذوا أنفسكم من النار ؛ فإنى لا أملك لكم من الله ضرّاً ولا نفعاً ، وقال : يا معشر بني عبد مناف ، أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك [ لكم ] من الله ضرّاً ولا نفعاً " ؛ وكذلك قال لبني عبد المطلب ، وقال لفاطمة ابنته : " يا فاطمة بنت محمد ، أنقذي نفسك من النار ؛ فإني لا أملك لك من الله ضرّاً ولا نفعاً ، ولكن لك رحم سأبُلُّها ببلالها " أي : بأصلها . وفي بعض الأخبار : أنه قال عند نزول هذه الآية : " إني أرسلت إلى الناس عامة ، وأرسلت إليكم با بني هاشم وبني عبد المطلب خاصة " ، وهم الأقربون وهما أخوان ابنا عبد مناف . وعن الحسن قال : " ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل بيته قبل موته فقال : " ألا إن لي عملي ولكم عملكم ، ألا إني لا أملك لكم من الله شيئاً ، ألا إن أوليائي منكم المتقون ، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتونني بالدنيا تحملونها على رقابكم ، ويأتيني الناس بالآخرة " . وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات ليلة على الصفا يفخذ عشيرته فخذا فخذا يدعوهم إلى الله ، قال في ذلك المشركون . لقد بات هذا الرجل يهوِّت منذ الليلة . يقول يصيح ؛ فأنزل الله في ذلك : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } الآية [ سبأ : 46 ] . ومعنى التخصيص في إنذاره عشيرته في هذه الآية يحتمل وجهين - وإن كانوا داخلين في جملة إنذار الناس جميعاً في قوله : { لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] إذ هم من العالمين - : أحدهما : جائز أن يكونوا هم يطمعون شفاعة رسول الله يوم القيامة ، وإن لم يطيعوه ولم يجيبوه إلى ما يدعوهم إليه ؛ على ما روي عنه أنه قال : " كل نسب وسبب منقطع يومئذ إلا نسبي وسببي " ، فيشبه أن يكونوا يطمعون شفاعته يومئذ - وإن خالفوه بحق القرابة والوصلة - ما لا يطمع ذلك غيرهم من الناس إلا بالطاعة والإجابة ، فأمره أن ينذرهم ؛ لئلا يكلوا إلى شفاعته ، ولكن احتالوا حيلتهم بالطاعة والعمل لما يأمر ، وهو ما ذكر في الأخبار التي ذكرنا : " إني لا أملك لكم من الله نفعاً ولا ضرّاً ، ألا إن أوليائي منكم المتقون " ، أخبر أن لا ولاية إذا لم يتقوا مخالفته . والثاني [ ] . وقوله : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : قيل : لين جانبك لمن اتبعك من المؤمنين ؛ كأنه أمر رسوله أن يتواضع لهم ويرحم ، وقال في الوالدين : { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [ الإسراء : 24 ] ، وقال في المؤمنين : بعضهم لبعض فيما بينهم { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] ، { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 54 ] ، ذكر الذل فيما بينهم والرحمة ، ولم يذكر في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذل - والله أعلم - لأن الذل كأنه يرجع إلى الخضوع واستخدام بعضهم بعضا ، وذلك في رسول الله بعيد لا يحتمل أن يأمره بالخدمة لهم . وجائز أن يمتحن بعضهم بخدمة بعض ، والله أعلم . وقوله : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } قالوا : إنه راجع إلى قوله : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } وموصول به ؛ كأنه قال : وأنذر عشيرتك الأقربين فإن عصوك فقل { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } . قد كان رسول الله بريئا مما كان يعمل أولئك الكفرة ، لكنه يحتمل أن يكون أولئك لما أنذرهم رسول الله ، طلبوا منه أن يطيعهم في بعض أمورهم ويشاركهم في بعض أعمالهم ؛ حتى يطيعوا أولئك له في بعض ما يأمرهم ويدعوهم إليه ، ويشاركونه في بعض أعماله ، فقال عند ذلك : إنه بريء مما يدعونه إليه ، وطلبوا منه مساعدته إياهم والإغماض عما يعملون فقال : { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ؛ كأنه أمنه عن شرهم وكيدهم فقال : { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، ولا تخف مخالفتهم إياك فيما تدعوهم إليه . أو أمره أن يكل نفسه إليه ، ويفوض جميع أموره في كل وقت فقال : { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، العزيز : المنتقم لأوليائه أو الشديد بأعدائه ، الرحيم بأوليائه . أو ذكر العزيز ؛ لأنه به يعز من يعز وهو يرحم من يرحم ، من لم يعزه هو لا يكون عزيزاً ومن لم يرحمه هو لا ينفعه ترحم غيره ، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء . وقوله : { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } : في ظلمة الليل وحدك قائماً وجالساً وعلى حالاتك ، ويراك في تقلبك - أيضاً - في الساجدين في الصلاة مع الناس في الجماعة . وبعضهم يقول في { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } : في المصلين ؛ يقول : كان يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من أمامه . لكن هذا ليس تأويل الآية ، بل كلام قاله من ذات نفسه ، ولو كان ما ذكر لكان يقول : يريك ، برفع الياء لا بالنصب . وروي [ في ] بعض الأخبار : " أنا إمامكم ؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ؛ فإني أراكم خلفي كما أراكم أمامي ، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " ، قالوا : يا رسول الله وما رأيت ؟ قال : " رأيت الجنة والنار " . وقال بعضهم : يراك حين تقوم إلى الصلاة فتصلي وحدك ، ويراك مع المصلين في جماعة ؛ وهو مثل الأول . وفي حرف حفصة : { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } : السميع لمقالتهم مما يخفون ويسرون وما يعلنون ، والعليم : بضمائرهم وخفياتهم . أو السميع : المجيب لمن دعاه ، العليم : بأفعالهم وأعمالهم .