Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 90-104)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، وذكر في حرف ابن مسعود وأبي : { وقربت الجحيم الضالين } وفي هذه [ القراءة ] الظاهرة : بُرِّزَتْ : أُظْهِرَتْ . وقوله : { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } في الدنيا ، أي : ثم يقال لهم : أين ما كنتم تعبدون من دون الله في الدنيا ، هل ينصرونكم ويمنعونكم من عذاب الله ، أو ينتصرون هم من العذاب ؟ ! لأنهم يطرحون جميعاً العابد والمعبود في النار ؛ كقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ، وإنما قالوا ذلك لهم ؛ لأنهم كانوا يقولون في الدنيا { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، فيقال لهم مقابل ذلك في الآخرة : { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } الآية . وقوله : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } : قال الزجاج : هو من كب ، أي : كبوا ، لكن ذكر كبكبوا على التكرار والإعادة مرة بعد مرة ، أي : يكبون لم يزل عملهم ذلك ، أو كلام نحو هذا . وقال القتبي : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } : ألقوا على رءوسهم ، وقذفوا . وأصل الحرف كبوا ، من ذلك كببت الإناء ، فأبدلت مكان الباء الكاف ، وهو الطرح والإلقاء على الوجوه ؛ يقال : كبكبتهم أي : طرحتهم في النار أو في البئر ، هو من قوله : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [ النمل : 9 ] . { وَٱلْغَاوُونَ } : قيل : الضالون ، يقال : غوى يغوى غيا وغواية فهو غاوٍ ، أي : ضل ؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي . وقال أبو معاذ : { فَكُبْكِبُواْ } : أصله : كبوا . وقال بعضهم : جمعوا فيها : { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } . قال بعضهم : { وَٱلْغَاوُونَ } هم الشياطين ، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } : ذريته ، أي : الشياطين الذين أضلوا بني آدم ؛ وهو قول قتادة . وقال بعضهم : { وَٱلْغَاوُونَ } : هم كفار الجن ، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } هم الشياطين . وقال بعضهم : { وَٱلْغَاوُونَ } : هم الأئمة من الكفار ، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } : سائر الكفار أتباعهم وذريتهم ، والله أعلم . وقوله : { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } : ذكر أنهم يختصمون في النار ، ولم يذكر فيم يكون خصومتهم ؟ فجائز أن يكون في آية أخرى : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ … } [ سبأ : 31 ] إلى آخر ما ذكر ، وقوله : { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } الآية [ ص : 61 ] ، وقوله : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً } الآية [ الأعراف : 38 ] ، وأمثاله من المجادلات التي تجري فيما بين الأتباع والمتبوعين . وقال بعضهم : اختصامهم ما ذكر على أثره ، قال : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الآية ؛ هذه مخاصمتهم . وقوله : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } : فإن كان قولهم هذا للأصنام التي عبدوها ، وذلك في تسميتهم آلهة ، وجعلهم العبادة لها يسوونها برب العالمين في التسمية والعبادة . وإن كان قولهم هذا للشياطين ، فهو في اتباعهم أمرهم ودعاهم الذي دعوهم ، وإلا لا أحد من الكفرة يقصد قصد عبادة الشيطان أو يسميه : إلها ، ولكن على ما ذكرنا من متابعتهم أمرهم . وفي حرف ابن مسعود : { إذ نسويكم برب العالمين إذ كنا نشرككم برب العالمين } . وقال بعضهم : إذ كنا نطيعكم كما نطيع رب العالمين . وقال بعضهم : إذ نعدلكم برب العالمين ؛ وبعضه قريب من بعض . وقوله : { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : ما أضلنا إلا أوائلنا ؛ وكذلك في حرف ابن مسعود : { وما أضلنا إلا الأولون } . وتأويل هذا : أنهم لما رأوا الأولين تركوا على ما كانوا عليه من الكفر والشرك ، ولم يعذبوا في الدنيا ولا أصابتهم نقمة - ظنوا أنهم أمروا بذلك ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . وقوله : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } : لأنهم قالوا : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] فلم يشفعوا لهم ، أي : ليست لنا شفعاء يشفعون ، ولو كانت لهم شفعاء لا تنفعهم شفاعتهم ، على ما قال : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] ، وهو ما قال : { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } [ الرعد : 18 ] ، ليس أنه كان ينفعهم فعلى ذلك هذا . وقوله : { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } : الحميم : القريب ، أي : ليس لهم حميم يهتم بأمرهم . وقوله : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقوله : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } أي : لو أن لنا رجعة إلى المحنة فنكون من المؤمنين ، فأخبر الله أنهم لو ردوا لعادوا بقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ } [ الأنعام : 28 ] إلى ما كانوا فيه لما نهوا عنه ، وقد ذكرناه . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ما ذكرنا من الأخبار والأنباء لآية وعبرة لمن اعتبروا . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } : قال بعضهم : لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا في الدنيا . وجائز أن يكون لو ردوا إلى المحنة التي سألوا الرجعة إليها ، ما كان أكثرهم مؤمنين . وجائز أن يكون نفر منهم ، والله أعلم . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } : قد ذكرناه .