Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { طسۤ } : قد ذكرنا فيما تقدم تأويل الحروف المعجمة وأقاويل الناس فيها ؛ وكذلك الآيات قد ذكرناها . وقوله : { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } : يحتمل قوله : { مُّبِينٍ } أي : بين واضح ؛ لأن ( أبان ) قد يستعمل في موضع ( بان ) ، يقال : بان وأبان . ويحتمل : { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } أي : يبين أنه رسول من الله ، أو يبين ما لله عليهم ، أو ما لبعضهم على بعض ، أو ما لهم وما عليهم . وقوله : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } . قوله : { هُدًى } يحتمل وجهين : أحدهما : دعاء ؛ كقوله : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [ الرعد : 7 ] أي : داع يدعو الخلق إلى توحيد الله تعالى ؛ فعلى ذلك يحتمل قوله : { هُدًى } أي : دعاء ، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى ، فإن كان هذا فهو للناس كافة . والثاني : جائز أن يريد بالهدى : الهدى الذي هو نقيض الضلال وضده ، فهو للمؤمنين خاصة ، وإن كان أراد به البيان والدعاء فهو للكل . وقوله : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : يدعوهم إلى الإيمان بالله وبرسوله ، فإذا آمنوا كان لهم بشرى . ثم نعت المؤمنين ووصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } : يحتمل قوله : { يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي : يقرون بهما ويؤمنون ؛ لأن من الناس من كان يؤمن بالله وبرسوله ، لكنهم أبوا الإيمان بالصلاة والزكاة ؛ كقوله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] . لا يحتمل أن يأمرهم بحبسهم إلى أن تمضي السنة فتجب الزكاة عليهم فيؤتون ، فحينئذ يخلون سبيلهم ، ولكن الأمر بحبسهم إلى أن يقروا بها ويؤمنوا ، فيخلون عند ذلك سبيلهم . وكذلك قوله : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [ فصلت : 7 ] : لا يقبلونها ولا يقرون بها ليس على فعل الإيتاء ، فعلى ذلك الأول يحتمل هذا . والثاني : يحتمل الأمرين جميعاً : القبول والإقرار بها والإيتاء جميعاً ، أي : إذا قبلوها وأقروا بها وأعطوها - فحينئذ يستوجبون هذه البشارة التي ذكرت . وقوله : { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } : الإيقان بالشيء : هو العمل به من جهة الاستدلال والاجتهاد ، والأسباب التي يستفاد بها العلم بالأشياء لا العلم الذاتي ؛ ولذلك لا يوصف الله على الإيقان بالشيء ولا يقال : يا موقن ؛ لأنه عالم بذاته لا بالأسباب ، وبالله التوفيق . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } : الأعمال التي هم فيها بما ركب فيهم من الشهوات والأماني . ويحتمل { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } الأعمال التي هي عليهم ، أي : زين لهم الخيرات والطاعات ، لكنهم أبوا أن يأتوا بها ؛ فالمعتزلة قالوا بهذا التأويل ، وأبوا أن يقولوا بالأول أن يكون من الله تزيين ما هم فيه من الشرك والكفر وأنواع أفعال الكفر ؛ إذ أضاف تزيين ذلك إلى الشيطان حيث قال : { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [ النمل : 24 ] ، وقال : { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } [ محمد : 25 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، فقالوا : أضاف إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله ذلك بعينه ؛ فدل أن الله إنما زين لهم أعمالهم التي عليهم من الإيمان والخيرات ، لا الأعمال التي هم فيها . لكن عندنا يجوز إضافة تزيين أعمالهم التي هم فيها إلى الله من جهة ما ركب فيهم من الشهوات والأماني التي توافق طباعهم وأنفسهم ؛ لأن التزيين يقع بنفس الكفر وأفعاله ؛ إذ الكفر نفسه ليس بمزين ولا مستحسن ، إنما هو شتم رب العالمين ، ولكن تزيينه واستحسانه هو موافقة ما يعمل من الأعمال طباعه والجهة التي تضاف إلى الله ؛ إذ الجهة التي تضاف إلى الشيطان هو دعاؤه وتمنيه إلى ما يوافق طباعهم ؛ فمن هذه الجهة يجوز إضافته إلى الشيطان ، والجهة التي تضاف إلى الله هو ما ركب فيهم من الشهوات والأماني وجعل الطباع موافقة لها ، وإلا الصدق وجميع الخيريات إنما يكون مزيناً مستحسناً في العقل للعاقبة ، والكفر وجميع المعاصي مستقبح في العقل للعاقبة إذا حمد أحدهما وأثيب على فعله ، وذم الآخر وعوقب لسوء اختياره . أو أن يكون إضافة ذلك إلى الله لما خلق أفعالهم وأعمالهم التي عملوها ، وأخرجها من العدم إلى الوجود ، وهي من هذه الجهة فعله ، وهو يرد قولهم في إبائهم خلق أفعال العباد . وقوله : { فَهُمْ يَعْمَهُونَ } : قيل : يترددون ، وأصل العمه : الحيرة ، أي : يتحيّرون . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } : أي : لهم ما يسوءهم من العذاب في الآخرة ؛ لاختيارهم سوء الأفعال في الدنيا . { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } : الأخسرون والخاسرون واحد . وجائز أن يقال : { هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } للقادة منهم والرؤساء ؛ لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم هم أخسر من الأتباع ؛ كقوله : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ النحل : 25 ] . وقوله : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لتلقى القرآن من الله على يدي رسوله وهو جبريل . والثاني : جائز أن يكون حكيم عليم هو جبريل نفسه ، أي : إنك لتلقى القرآن من لدن جبريل ، وهو حكيم يضع الوحي والقرآن حيث أمر بوضعه فيه ؛ إذ الحكيم : هو المصيب في فعله الواضع للشيء موضعه ، وعليم بما أمر به وأرسل وهو كذلك كان ؛ إذ يجوز أن يقال للمخلوق : حكيم عليم ؛ ألا ترى إلى قول يوسف : { إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [ يوسف : 55 ] ؛ فعلى ذلك هذا جائز ، والأول أشبه . أي : إنك لتأخذ القرآن من لدن حكيم عليم على يدي رسوله جبريل ، فما يأخذ من رسوله كأنه يأخذ من عند مرسله ؛ إذ الرسول إنما يؤدي كلا مرسله . وقال أبو عوسجة : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ } يقال : تلقيته : أخذته . وكذلك قال القتبي : { لَتُلَقَّى } أي : لتأخذه . وقال محمد بن إسحاق : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ } أي : لتؤتى بالقرآن ؛ كقوله : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [ فصلت : 35 ] أي : وما يؤتيها ، والله أعلم .