Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 68-70)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } : يقول - والله أعلم - : وربك يختار للرسالة من يشاء ويجتبيه لها ، فيجعلهم رسلا . { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } : يقول : لم يكن لهم أن يختاروا هم ، ولكن الله يختار ويصطفي من يشاء ردّاً لقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ … } الآية [ الزخرف : 31 ] ، إلى هذا ذهب بعضهم . وجائز أن يكون هذا في كل أمر ، أي : وربك يختار ما يشاء ويأمر ، وما كان لهم الخيرة من أمره أي : التخلص والنجاة من أمره ؛ كقوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } [ الأحزاب : 36 ] أي : أمر الله ورسوله أمراً ، { أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [ الأحزاب : 36 ] . والقضاء هاهنا أمر ، لكنه يحتمل وجهين : أحدهما : على الوقف على قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } ، والابتداء من قوله : { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } من أمرهم ، فإن كان على هذا فيكون ( ما ) هاهنا ( ما ) جحد ، أي : لم يكن لهم الخيرة من أمرهم . والثاني : على الصلة : ليس على الحجاج ، فيكون تأويله : وربك يخلق ما يشاء ويختار الذي لهم الخيرة أن يكون الوقف على هذا على قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } ، ثم يقول { وَيَخْتَارُ } الذي لهم { ٱلْخِيَرَةُ } . قال أبو معاذ : قرئ { ٱلْخِيَرَةُ } بجزم الياء وبتحريكها { ٱلْخِيَرَةُ } . ثم قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } على المعتزلة من وجهين : أحدهما : ما أجمعوا عليه أن الله قد شاء جميع ما يفعله العباد من الخيرات والطاعات ، فإذا شاء ذلك دل أنه خلقها لهم ، أخبر أنه يخلق ما يشاء وقد شاء الخيرات ؛ فدلّ ذلك على خلق أفعال العباد . لكنهم يقولون : قوله : { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } إذا خلقه ؛ وكذلك يقولون في قوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 284 ] : إن خلقه أو كلام نحو هذا . فلئن جاز لهم هذا من الزيادة جاز لكل أحد مثله ، فذلك بعيد . وعلى قولهم أكثر الأشياء ليست بمخلوقة لله ، وهو على أكثر الأشياء غير قدير ؛ لأن أفعال الخلق لا شك أنها أكثر من أنفسهم ، فأخبر أنه على كل شيء قدير ، وأنه يخلق ما يشاء ، وأن هذا منه خرج مخرج الامتداح له والثناء له بما له من السلطان والقدرة على الخلق كلهم ، فلو كان على ما يقوله المعتزلة لم يكن هذا مدحاً له ولا ثناء بالسلطان والقدرة ؛ إذ هو على قولهم على أكثر الأشياء ليس بقادر على ما ذكرنا . ثم نزه نفسه وبرأها عما قالوا فيه وأشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته وفي عبادته فقال : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وقال : { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } هذا يخرج على الوعيد لهم والتنبيه ؛ ليكونوا على حذر فيما يسرون وما يعلنون ، والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } . قوله : { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } كقوله : { وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } ، وقد ذكرنا أن قوله : { وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } من أمرهم أنه يخرج على وجهين : أحدهما : له الاختيار في أمرهم ؛ لا لهم الاختيار في أمرهم ، ولا يملكون هم ما يختار لهم دفعه . والثاني : هو يختار لهم الخيرة في أمرهم ؛ لأنه هو العالم بمصالح أمورهم وما يرجع إلى الأوفق والأنفع وهم لا يعرفون ذلك ، فعلى ذلك قوله : { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } في الدنيا والآخرة لأن أنفس الخلائق له دونهم ، فله الحكم في أمورهم وأفعالهم ؛ كما له الحكم في أحوالهم ؛ لأنه لا يلحقه الخطأ في حكمه ؛ إذ هو عالم بذاته ، ولا تلحقه التهمة أيضاً في دفع مضرة أو جر نفع ؛ لأنه غني بذاته فله الحكم في الدارين جميعاً ، والله الموفق . وقوله : { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } : هذا يخرج على وجوه : أحدها : ما قاله أهل التأويل : إن أولياءه يحمدونه في الدنيا والآخرة في الجنة حيث قالوا : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ … } الآية [ فاطر : 34 ] يقولونه إذا دخلوا الجنة . والثاني : وقال بعضهم : { فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } يقول : في السماوات والأرض ، وتصديقه قول الله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الروم : 18 ] ، وقوله : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الجمعة : 1 ] ، وقوله : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [ الإسراء : 44 ] . والثالث : { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } : وهو أن جعل الدنيا مشتركة بين الأعداء والأولياء في نعيمها غير مفترقة ولا مختلفة ، وأما الآخرة فقد فرق فيها بين الأولياء والأعداء ؛ جعل للأولياء النعمة الدائمة وللأعداء العذاب الدائم ، فله الحمد على ذلك . والرابع : { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } لما جعل الدنيا دار محنة والآخرة دار الجزاء لم يجعلها دار المحنة . أو أن يكون قوله : { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } أي : له الحمد من الخلق في كل حال وكل وقت ؛ كقوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] ، أنهم يحمدونه في بدء كل أمر وختمه ، أو أن يكون له الحمد .