Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 62-67)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } . قوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } الذين في زعمكم أنهم شركائي ، حيث أشركتموهم في العبادة وتسمية الألوهية ، وإلا لم يكن لله شريك فيقول : أين هؤلاء الذين زعمتم أنهم شركائي . ثم قوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } إنما يقال لهم لقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، فيقول : أين شفاعة من زعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله ، وأين قربتكم وزلفاكم بعبادتكم إياها حيث زعمتم أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى ؟ أين ذلك لكم منهم ؟ وقوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } : يحتمل قوله : { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } الذي قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . وجائز أن يكون قوله : { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي : وجب عليهم العذاب ؛ كقوله : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } [ النمل : 82 ] أي : وجب العذاب عليهم ؛ وكقوله : { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ } [ النمل : 85 ] أي : وجب العذاب عليهم بما ظلموا ونحوه . ثم اختلفوا في الذين حق عليهم القول . فمنهم من يقول : هم رؤساء الكفرة وأئمتهم الذين أضلوا أتباعهم ودعوهم إلى الضلال . ومنهم من يقول : هم شياطين الجن . وللفريقين جميعاً في الكتاب ذكر : قال في أئمتهم : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } [ البقرة : 166 ] ، وقال : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } [ الأعراف : 38 ] وأمثال هذا كثير . وقال في شياطين الجن : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] ، وقال : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ … } الآية [ الصافات : 22 ] ، ونحوه كثير أيضاً . وقوله : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } : يقولون : { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } يعتذرون : أنه لم يكن منا إليهم إلا الدعاء والإشارة إلى الغواية ؛ وهو كقول إبليس اللعين وخطبته يومئذ حيث قال : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ … } الآية [ إبراهيم : 22 ] ؛ فعلى ذلك هؤلاء يقولون : لم يكن منا إليهم سوى الدعاء بلا برهان ولا حجة فاتبعونا ؛ فلا تلومونا ولوموا أنفسكم ؛ حيث تركتم إجابة الرسل ومعهم براهين وحجج ، وأجبتمونا بلا حجة ولا برهان ، فأغويناكم كما غوينا ، ولو كنا على الهدى لهديناكم ، كقوله : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [ إبراهيم : 21 ] . وقوله : { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } : إنما يتبرءون أنا لم نأمرهم بالعبادة لنا ، وإلا كانوا عبدوهم . ثم إن للمعتزلة أدنى تعلق بهذه الآية ؛ لأنهم يقولون : إنما أضافوا الغواية إلى أنفسهم حيث قالوا : { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } ؛ دل أن الله لا يغوي أحدا . فيقال لهم : إنا لا نضيف ولا نجيز إضافة الغواية إلى الله فيما يخرج مخرج الذم له ، وإنما نضيف فيما يخرج مخرج المدح له والثناء عليه ، ثم قد أضاف إبليس الغواية إليه ، ولم ينكر عليه حيث قال : { رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الحجر : 39 ] في غير موضع وقال : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } [ الرعد : 27 ] ، ونحوه كثير في القرآن ، فما خرج مخرج المدح له والثناء عليه يضاف إليه ، وما خرج مخرج الذم له فلا ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع ، والله أعلم . وقوله : { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } يوم قال لإبليس : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] ، ثم قالت الشياطين في الآخرة : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ } يعنون : كفار بني آدم ، هؤلاء الذين أضللناهم عن الهدى كما ضللنا تبرأنا إليك منهم يا رب { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } ، فتبرأت الشياطين ممن كان يعبدها ، فقالوا : لم نأمرهم بعبادتنا ، وقيل لكفار بني آدم : { ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } يقول سلوا الآلهة التي سميتموها : آلهة أهم آلهة ؟ { فَدَعَوْهُمْ } أي : سألوهم ، فلم تجبهم الآلهة بأنها آلهة . وقوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } في الدنيا ، أي : معي شركاء على ما ذكرنا من قبل ، والله أعلم . وقوله : { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } يحتمل شركاءكم في الخلقة ، أو شركاءكم في العبادة ادعوهم ؛ ليشفعوا لكم ويقربوكم إلى الله على ما زعمتم في الدنيا ، { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } ، أي : لم يشفعوا لهم ولم يستجيبوا لهم ؛ لما لم يجعل في وسعهم الإجابة لهم واجباً كائناً في الآخرة . وقوله : { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } : تأويله ، أي : لو رأوا العذاب في الدنيا لكانوا يهتدون ، ولكن لم يروه ؛ هذا وجه . ووجه آخر : أنهم لم يصدقوا بالعذاب في الدنيا ، ولو صدقوه لاهتدوا مخافة نزول العذاب بهم . والثالث : لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ } اختلف فيه : قال قائلون : إنما يسألون عن إجابتهم الرسل ماذا أجبتموهم ؟ على علم منه أنهم ماذا أجابوا هم ، { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ } أي : الإجابة ، فلا يتهيأ لهم الإجابة لهول ذلك وفزعهم . وقال بعضهم : إنما يسألون عن الحجة والعذر الذي به كانوا تركوا إجابة الرسل ، فيقول لهم : لأي حجة وعذر تركتم إجابتهم { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ } ، أي : الحجج والعذر ، لما لم يكن لهم الحجة والعذر في تركهم إجابتهم . { فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } : قال بعضهم : لا يسأل بعضهم بعضا ، بل يتبرأ بعضهم من بعض ، ويكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا على ما ذكر في الكتاب . وقال بعضهم : { فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } بالحجة والبرهان ؛ لما لا حجة لهم ولا برهان ، أي : لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج ؛ لأن الله أدحض حججهم وكلل ألسنتهم . وقال بعضهم : لا يتساءلون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتساءلون في الدنيا ؛ كقوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، والله أعلم بذلك . ثم إن بعض المعتزلة تكلموا فيه وقالوا : لو كان الأمر على ما قاله القدريون والجبريون في المشيئة والإرادة ، لكان يسهل لهم الاحتجاج ، ويهون لهم العذر ، فيقولون : يا ربنا أجبنا ما نفذ من مشيئتك وإرادتك ، وما مضى من قضائك وكتابتك علينا ؛ إذ كنت أنت قضيت وكتبت علينا وشئت وأردت ما كان منا من التكذيب لهم وترك الإجابة ، فلم يكن لنا تخلص مما شئت أنت وقضيت علينا . إلى هذا الخيال يذهب جعفر بن حرب ، وهذا تعليم لأولئك الكفرة الحجاج بالباطل والكذب بين يدي رب العالمين للتكذيب الذي كان منهم . ثم يقال : لو كان لهم ذلك الحجاج على زعمكم ، فلا يكون ذلك لهم بقولنا ، ولكن إنما يكون بكتاب الله وسنة رسوله وقول المسلمين أجمع حيث قالوا : ( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) ، وبكتاب الله ما ذكر في غير آي من القرآن { يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 142 ] وقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] ، وقوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ الأنعام : 35 ] ، وقوله : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ … } الآية [ يونس : 99 ] ، وأمثاله مما لا يحصى من الآيات ، فلئن كان لهم ذلك إنما يكون بما ذكرنا لا بقولنا . وأصله : أنه لا يكون لهم هذا النوع من الاحتجاج ؛ لأنهم وقت فعلهم لا يفعلون بأن الله شاء ذلك لهم أو قضى وكتب ذلك عليهم ، وهم يودون ويحبون وقت فعلهم أن يشاء الله ذلك منهم ويرضى ، فإذا كانوا وقت فعلهم لا يفعلون لذلك ، فكيف يكون لهم الحجاج على ما كانوا عليه يفعلون لا لذلك ؟ ! لكن هذا منهم تعليم الكذب لهم ليكذبوا بين يدي رب العالمين على ما ذكر . وأصل قولنا في هذا : أنا نقول : إنه شاء من كل ما علم أنه يكون منه ويختار ، وكذلك قضى وكتب على كل ما علم أنه يكون منه ؛ إذ لا يجوز أن يشاء منه خلاف ما علم أنه يكون ؛ لأن فيه أحد وجهين : إما الجهل بالعواقب . وإما العجز فيه . وذانك عن الله منفيان ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيرا . وأصلهما : ما روي عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قال : بيننا وبين القدرية حرفان : أحدهما : أنا نقول لهم : إن الله علم ما يكون أنه يكون ، فإن قالوا : لا ، كفروا ؛ لأنهم جهلوا الله ، وإن قالوا : بلى ، فيقال لهم : وشاء أن يكون ما علم أنه يكون ، فإن قالوا : لا ، كفروا ؛ لأنهم يقولون : شاء أن يجهل ، وذلك كفر ، وإن قالوا : بلى شاء ذلك ، لزمهم قولنا في المشيئة والإرادة لله في ذلك . قال أبو عوسجة والقتبي : { فَعَمِيَتْ } بالتخفيف ، أي : خفيت ، و { فَعَمِيَتْ } بالتشديد ، أي : أخفيت . وقوله : { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } أي : فأما من تاب ، أي : رجع عما كان فيه من الشرك والكفر ، وآمن بالذي دعاهم الرسل وأجابهم ، وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه . { فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } : يحتمل رجوع { فَعَسَىٰ } إلى ذلك الرجل الذي نعته ، يقول : على رجاء القبول والفلاح يفعل ما يفعل من التوبة والعمل الصالح . أو أن يقال ما قال أهل التأويل : إن { عَسَى } من الله واجب ، وهو ما ذكرنا أن كل استفهام كان من الله فهو على اللزوم والوجوب ؛ فعلى ذلك حرف ( عسى ) ، و ( لعل ) ، وإن كان حرف شك في الظاهر ، فهو من الله على الوجوب واليقين . قال أبو معاذ : الفلاح في كلام العرب البقاء ، ويقال : النجاة ، وقد ذكرناه في غير موضع .