Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-13)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } : قال عامة أهل التأويل : إن الوحي هاهنا وحي الإلهام والقذف في القلب ، لا وحي إرسال صارت رسولة ، وذلك لا يجوز . لكن يقال : جائز أن تلهم هي إرضاعه وإلقاءه في اليم ، فأمّا أن تلهم ما ذكر : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } هذا مما لا سبيل إلى معرفة ذلك وعلمه إلا بتصريح قول ومشافهة آخر ، اللهم إلا أن يقال : إنه كان بموسى آيات الرسالة وأعلام به ؛ لما عرفت هي بتلك الأعلام والآيات التي كانت له أنه يرد إليها ، وأنه يبقى رسولا إلى وقت ، وقد كانت بالرسل أعلام وآيات الرسالة في حال صغرهم وصباهم ؛ نحو عيسى حيث كلم قومه في المهد : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ … } [ مريم : 30 ] ، إلى آخر ما ذكر وأن محمدا لما ولد بالليل استنارت تلك الناحية واستضاءت بنوره حتى ظنوا أن الشمس قد طلعت ونحوه ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون بموسى أعلام وآيات عرفت أمه بها أنه رسول ، وأنه يرد إليها . وإنما تكلفنا بهذا التخريج قول أهل التأويل : إنه وحي إلهام وقذف في القلب لا غير . وعندنا جائز أن يكون الوحي إليها وحي إرسال رسول وإخبار من غير أن صارت هي بذلك رسولة ؛ نحو ما ذكر من قصة مريم أن الملك لما دخل تعوذت بالله منه حيث قالت : { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } [ مريم : 18 - 19 ] ، وذلك من البشارة التي بشروها بالولد فلم تصر بما أرسل إليها من الرسل وشافهوها رسولة ؛ فعلى ذلك أم موسى ؛ ونحو بشارة الملائكة لامرأة إبراهيم بالولد وهو قوله : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] ، ونحوه ما يكثر ذكره لم يصيروا بذلك رسلا ؛ فعلى ذلك الوحي إلى أم موسى يحتمل ما ذكرنا . وجائز ذلك من غير أن صارت بذلك رسولة ، وهو أشبه وأقرب ، والله أعلم . وقوله : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } : قال بعضهم : في الآية إضمار ؛ لأنهم لم يلتقطوه ؛ ليكون لهم عدوا وحزنا ولكن كان فيه إضمار ، أي : التقطه آل فرعون ليتخذوه ولدا ووليا ، فكان لهم عدوا وحزنا إذا كبر [ و ] نحو هذا . وقال بعضهم : ذاك إخبار عما في علم الله أنه يكون ما ذكر ، معناه - والله أعلم - : التقطه آل فرعون ، فكان في علم الله - تعالى - أنه يكون لهم عدوا وحزنا ، وذلك جائز في اللغة ؛ يقال : @ … لدوا للموت وابنوا للخراب @@ لا يلدون للموت ولا يبنون للخراب ، ولكن إخبار عما هو عليه عملهم في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } : ظاهر . وفيه نقض قول المعتزلة من وجه . وقوله : { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } : هذا لطف من الله بموسى ؛ حيث ألقى محبته في قلوبهم وحلاوته في أعينهم ، وهو ما ذكر منة عليه حيث قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [ طه : 39 ] ليتأدى بذلك الشكر عليه . قال أبو معاذ : قال مقاتل : قوله : { قرت عين لي ولك لا } تقول : ليس لك بقرة عين . قال أبو معاذ : وهذا محال ، ولو كان كذلك لكان في القراءة : " تقتلونه " ، وهذا - أيضاً - محال لقوله : { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا } ، ولو كانت القراءة : ( قرت عين لي ولك لا [ لا ] تقتلوه ) لكان مقاتل مصيباً . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } : يحتمل وجهين : أحدهما : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أن إهلاكهم واستئصالهم على يديه . والثاني : لا يشعرون أنه هو المطلوب بقتله من بين الكل ، والله أعلم . وقوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } : قال بعضهم : فارغاً من هم موسى وحزنها عليه . وقال بعضهم : فارغاً من كل شيء إلا على موسى وذكره ، وكأن قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } جواب قوله : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ … } الآية . وهو يحتمل وجوهاً : أحدها : أن الله رفع الحزن والخوف وطمأنها من غير أن كان ثمة قول أو كلام . والثاني : على القول لها : لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، فلو كان على هذا فهو على البشارة لها بالردّ إليها وجعله رسولا ، أو على النهي والزجر عن الحزن عليه والخوف عليه ، هو حزن مفارقته لها ، والخوف عليه خوف الهلاك ؛ كقول يعقوب حيث قال : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } [ يوسف : 13 ] ذكر الحزن عند المفارقة والذهاب عنه ، والخوف عند الهلاك ، فرفع الله عنها حزن المفارقة ، وبشرها بالرد إليها وجعله رسوله وأمنها عن الهلاك ؛ فيكون قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } مما خافت عليه وحزنت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } : كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها بما ذكر من قوله : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ … } الآية ، فلم تكد أن تبدي ، وهو كما ذكر : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [ يوسف : 24 ] أي : كان يهم بها لو لم ير برهان ربّه لا أنه هم بها ؛ وهو كقوله : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] أي : كان يركن إليهم شيئاً قليلا لو لم يثبته ، لكنه ثبته فلم يركن إليهم ونحوه ؛ فعلى ذلك الأول . وقال أهل التأويل : ربط قلبها بالإيمان . وجائز أن يكون ربطه قلبها لما ذكر من قوله : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ … } الآية . وقال بعضهم : { فَارِغاً } من عهد الله الذي كان عهد إليها ، أنساها عهد الله عظم البلاء الذي حل بها ، فكادت تبدي به ، ثم تداركها الله بالرحمة فربط على قلبها فذكرت وارعوت . وقال بعضهم : اتخذه فرعون ولداً ، فصار الناس يقولون : ابن فرعون ابن فرعون ، فأدركت أمه الرقة وحبّ الولد فكادت تقول : بل هو ابني ، والأوّل أشبه ، وفي حرف ابن مسعود وأبيّ وحفصة : { إن كادت لتشعر به } . وقوله : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي : اتبعي أثره . وقوله : { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } قيل : عن بعد ، أي : كانت تتبع أثره عن بعد منه . وقال بعضهم : الجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى موضع بعيد ، وهو إلى جنبه بقرب منه ، وذلك عند الناس معروف ظاهر فيهم ذلك . وقال بعضهم : في قوله : { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } قال : مشيت بجانبه وهي معرضة عنه كأجنبية . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } : أن هذه تراقبه أو تنظر إليه وتحفظه . أو لا يشعرون أن هلاكهم على يديه . بصرت وأبصرت واحد . وقوله : { عَن جُنُبٍ } : عن ناحية بعيدة ، وجوانب : جماعة ، ويقال : رجل جنب وقوم أجناب ، وجانب وأجناب وأجانب وأجنبي أي : غريب ، وهذا كله من الاجتناب ؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي . وقوله : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } : حرم تحريم منع وحظر الذي ضده الإطلاق والإرسال ، لا التحريم الذي ضده الحل ، وذلك لطف من الله تعالى وفضل ورحمة ؛ حيث منع موسى عن أن يرتضع من النساء وهو طفل ، وهَمُّ أمثاله الارتضاع والرغبة في التناول من كل لبن ومن كل مرضع ترضعه لا تمييز لهم في الارتضاع ؛ فدل امتناعه وكفه نفسه عن الارتضاع من النساء أجمع أن ذلك لطف من الله أعطاه ليمتنع عنه . فعلى ذلك جائز أن يكون عند الله لطف لو أعطى الكافر الذي همته الكفر والرغبة فيه لآمن واهتدى ، لكنه لما عرف رغبته وهمته فيه واختياره له منع ذلك عنه ولم يعطه . وهذا الحرف ينقض على المعتزلة مذهبهم في زعمهم أن الله قد أعطى كل كافر السبب الذي به يؤمن وما به يصير مؤمناً ، حتى لم يبق شيء مما يكون به إيمانه إلا وقد أعطاه ، لكنه لم يؤمن ، فينقض قولهم ما ذكرنا من أمر موسى أن عنده لطفاً لم يعطه لو أعطاه لآمن واهتدى ، لكنه لم يعطه لما ذكرنا . وفيه لطف آخر : وهو أن فرعون والقبط كانوا يقتلون الولدان من الذكور ؛ ليصير الذي يخاف هلاكه وذهاب ملكه على يديه مقتولا ، فجعل الله بلطفه ورحمته محبته في قلب فرعون وقلوب أهله ، حتى صار أحب الخلق إليهم ، وصاروا هم أشفق الناس وأرحمهم عليه ، حتى خافوا هلاكه وطلبوا له المراضع ؛ لئلا يهلك بعدما كانوا يطلبون هلاكه وتلفه ، وذلك لطف منه له ورحمة ، وهو ما قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [ طه : 39 ] ، وبالله يستفاد كل فضل ونعمة . وقوله : { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } . قوله : { فَقَالَتْ } أي : أخته التي كانت تتبعه وتمشي على أثره ، وذلك منها تعريض بالدلالة لهم إلى أمّه ؛ لئلا يشعروا أنها أمّه حيث قالت : { أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ } ، ولم تقل : على امرأة لها لبن وهي ترضع ، ولعلها لو قالت لهم ذلك وقع عندهم أنها أمه ، ولكن دلتهم إلى بيت ليقع عندهم أنهم أهل بيت قتل ولدهم ولهم ولد يكفلونه لكم ، أي : يقبلونه ويضمونه إلى أنفسهم . { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } : يحتمل قولهم : { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أي : لفرعون لا يخونونه فيه . ويحتمل { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } لموسى . وقوله : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } : بالمقام معه والكون عندها ، { وَلاَ تَحْزَنَ } : على فراقه . أو أن يقال : { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ } ، أي : تسرّ بردّه إليها ، وذلك معروف في النساء ظاهر أنهن يحزن بمفارقة أولادهن ويهممن لذلك ، ويسررن إذا جعلوا إليهن واجتمعوا . وقوله : { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } : كانت تعلم هي - والله أعلم - أن وعد الله حق كائن لا محالة ، لكن علم خبر لا علم عيان ومشاهدة ؛ كأنه قال : لتعلم علم عيان ومشاهدة ما علمت علم خبر ؛ لأن علم العيان والمشاهدة أكبر وأبلغ وأتقى للشبهة من علم الإخبار ؛ ألا ترى أن إبراهيم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى ، وإن كان يعلم حقيقة أنه يحيي الموتى ، وأنه قادر على ذلك ، لكنه كان يعلمه علم خبر فأحبّ أن يعلمه علم عيان ومشاهدة ؛ لأنه أكبر وأبلغ وأدفع للوساوس من علم الإخبار ؟ ! فعلى ذلك هذا . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : والمعتزلة فيهم ؛ لأنه أخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين ؛ حيث قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [ الأعراف : 18 ] ، وهم يقولون : أراد ألاَّ يملأ جهنم ؛ لأنهم يقولون : إنه أراد إيمان كل الناس جميعاً وشاء ذلك لهم فلم يؤمنوا ، فعلى قولهم : إذا شاء ذلك لهم شاء ألاَّ يملأ جهنم منهم ، فذلك خلف في الوعد وكذب في القول على قولهم .