Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 14-21)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ } : قال بعض أهل التأويل : الأشد : هو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة ، ثم هو ما بين الثلاثين إلى الأربعين استواء الشدة ، ثم يأخذ بعد الأربعين في النقصان ، ثم غيّر بعمره إلا أربعين سنة . وقال بعضهم : بلغ أشده : ثلاث وثلاثون سنة واستوى : أربعون ، وعن ابن عباس مثله . وقال بعضهم : بلغ أشده قال : الأشد : الحلم ، والاستواء : أربعون سنة . وأصل الأشد : أن يشتد كل شيء منه ، وصار يحتمل ما قصد به وجعل فيه ، ويدخل في ذلك العقل وكل شيء . واستوى : أي استوى ذلك واستحكم ، وصار بحيث يحتمل ذلك . وجائز أن يكون الاستواء هو الأشد الذي ذكره . وقال أبو عوسجة والقتبي : واستوى : أي استحكم وانتهى شبابه واستقر ، فلم يكن فيه زيادة ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } أي : آتيناه العلم الذي يحكم به بين الناس ، وعلما بمصالح نفسه ومصالح الخلق . وقال بعض أهل التأويل : الحكم : الفقه والعقل والعلم قبل النبوة . وقوله : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } : يحتمل قوله : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } في الآخرة بالوعد الذي وعد لهم في الدنيا ؛ كما جزي موسى بإنجاز ما وعد له ، أو أن يكون من موسى إحسان وجهد في طلب العلم وغير ذلك مما أعطاه ذلك ، وأخبر أنه كذلك يجزي من ذكر ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، وقوله : { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } [ القصص : 13 ] كان وعده إياها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين ، ومعناه ما ذكر فيما تقدم . قال الكسائي : يقال : امرأة مرضع : ما دامت ترضع ، فإذا فطمت سميت : مرضعة ، وما دامت حبلى فهي مرضعة ، أي : سترضع . وقوله : { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } : قال عامة أهل التأويل : على حين غفلة أهل المدينة وهو عند الظهيرة ، وذلك وقت القائلة . وقال قائلون : على حين غفلة أهل البلد عن دخول موسى ، أي : دخلها من غير أن شعروا به وعرفوا أنه موسى ؛ على هذا التأويل الغفلة تكون على دخول موسى عليهم . وعلى الأول على غفلة أهل المدينة ، أي : وقت غفلتهم . فإن كان على هذا فيحتمل أن يكون غفلة أهلها : هو أن كان ذلك يوم عيدهم خرجوا إليه ، فدخل هو المدينة ليطلع أحوالها وأسبابها ، إلا أن تكون العادة فيهم بأجمعهم يقيلون فذلك محتمل ، والله أعلم . وقوله : { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } : قال بعض أهل الأدب : إن قوله : { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } إنما يقال للشاهد المشار إليه ، فأما الغائب فإنه لا يقال ، لكن قالوا : إن فيه إضماراً أو لطفاً ؛ كأنه قال : فوجد فيها رجلين يقتتلان من نظر إليهما يقول : هذا من شيعته وهذا من عدوه . ثم قال أهل التأويل : أحدهما كان إسرائيليّاً والآخر قبطيّاً . فإن قيل : كيف سمي الإسرائيلي من شيعة موسى وذلك أوّل ما دخل موسى المدينة ، وبنو إسرائيل يومئذ كانوا عباد الأصنام ، وقد حبب ذلك إليهم حتى قالوا لموسى بعدما أخرجهم من المدينة وبعد هلاك فرعون والقبط جميعاً : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ؛ وكذلك يقول مقاتل : كانا كافرين جميعاً ؛ ألا ترى أنه قال : { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } ، لكن يخرج هذا على الإضمار ؛ كأنه قال : يكون هذا من شيعته وهذا من عدوه . أو يقول : يكون هذا من قوم شيعته ويبقى هذا عدوّاً في قوم هم أعداؤه ، وعلى هذا يخرج قوله : { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } أي : يبقى عدوّاً لهما ، أو أن يكون عدوّاً لهما ؛ لأن أبا معاذ النحوي يستدل به على وهم مقاتل ووهمه في تأويله أنهما كانا كافرين جميعاً ، لكن يخرج على ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } أي : استغاثه الذي كان في علم الله أنه يكون من شيعته على الذي في علم الله أنه يبقى عدوّا له ينصره ، والاستغاثة هي الاستعانة والاستنصار ، أي : سأله أن يكون من شيعته . وقوله : { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } : قال أبو عوسجة : الوكزة : الطعن في الصدر . وقال الزجاج والقتبي وهؤلاء : الوكزة : الدفعة { فَوَكَزَهُ } ، أي : دفعه . { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } : قال بعضهم : أي فرغ منه ؛ كقوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } [ القصص : 29 ] ، وقوله : { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [ يوسف : 41 ] أي : فرغ ونحوه . وقال بعضهم : { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي : قتله . وكلاهما سواء إذا قتله فقد فرغ منه ، وهو لم يتعمد قتله ولا قصده ، لكن الله قضى أجله وجعل انقضاء عمره بوكزة موسى ، وهو في الظاهر قاتل ؛ لأنه قال : { إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ القصص : 33 ] ، ولم يكذب الله موسى في قوله : إنك لم تقتل ، وقال - أيضاً - : { إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي … } الآية . وفيه دلالة جواز الاستدلال لقول أبي حنيفة حيث قال : من قتل آخر بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة مما لا ينجو من مثله فإنه لا يقتل به ، ولا يجب القصاص فيه ؛ لأن موسى لما وكز ذلك القبطي فمات ، وكان له قوة أربعين رجلا - لم ير القصاص به واجبا حيث قال له ذلك الرجل : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } ، ولو كان القصاص واجباً لكان أولئك لم يكونوا ظلمة في قتله ، بل يكون هو الظالم فيه . ولا يحتمل أن يكون القصاص واجباً - أيضاً - وموسى يفر من ذلك ويهرب وفي ذلك إبطال حقهم دل أنه لم يجب . ولا شك أن وكزة من له قوة أربعين رجلا إلى الهلاك أسرع وأقرب وأعمل من الضرب بالحجر العظيم أو الخشبة العظيمة ، فإذا لم يجب في هذا لم يجب في ذاك ، والله أعلم . وقوله : { رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } : قال بعضهم : بما أنعمت عليَّ بالمغفرة ، فلم تعاقبني بقتل النفس وعصمتني من أن أعاقب به في الدنيا . وجائز أن يكون بما أنعم عليه هو قوته التي أعطاها أخبر أنه لا يكون بها ظهيرا للمجرمين ، والله أعلم . وقوله : { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } : أكثر ما ذكر في القرآن ( أصبح ) ، أي : صار ؛ كقوله : { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً } [ الكهف : 41 ] ، وقوله : { إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً } [ الملك : 30 ] ونحوه ، وأما هاهنا قوله : { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً } إنما يريد : الصباح نفسه . وقوله : { يَتَرَقَّبُ } : قال عامة أهل التأويل : { يَتَرَقَّبُ } أي : ينتظر سوءاً يناله منهم . وقال أبو عوسجة : الترقب : الخوف ؛ كأنه قال : خائفاً يخاف هلاكه ، وأصل الترقب هو النظر ؛ لأن موسى كان يرقب من يطلبه ومن يأتيه في طلبه ، وهو من الرقيب . وقوله : { فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } : كأن الرجل الذي أخبر أنه من شيعة موسى كان ضعيفاً في نفسه ، حيث لا يقدر أن يقوم لواحد ؛ فيستغيث بموسى ويستعين به ، إلا أنه كان يخاطب وينازع ويقاتل لسوء فيه وبلاء يقاتل وينازع ، وإلا لم يكن بنفس هذا قوة ما يقوم لواحد فمن حيث لا يقاتل مثله ، ولكنه لما ذكرنا من سوء به ؛ ولذلك قال له موسى : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ، لكن موسى إنما عرف غوايته بالاستدلال الذي ذكرنا لا بالمشاهدة ؛ ولذلك أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما لئلا يقتله ولا يهلكه لما عرف غوايته بالاستدلال لا حقيقة . وذكر هاهنا البطش - وهو الأخذ باليد - وفي الأول ذكر الوكزة : وهي الدفع والطعن على ما ذكرنا ، فهو - والله أعلم - لأنه لما وكز الأوّل فأتت الوكزة على نفسه فقتلته ، فأخذ هذا من هذا ليمنعه عن إهلاكه وإتلافه ، ولا يأتي على نفس الآخر كما فعلت الوكزة . ثم قال : { يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } : اختلف في قائل هذا : قال عامة أهل التأويل : إن قائل هذا هو الذي استصرخه واستغاثه بالأمس ظن أن موسى إنما أراد بطشه وأخذه وإليه قصد ؛ لذلك قال : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } . وقال قائلون : هذا القول إنما قال له ذلك القبطي ، فإن كان هذا فهو يدل أن قتله ذلك الرجل بالأمس كان ظاهراً ، حيث علم به القبطي ، وكان قوله : { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } أي : من دخول موسى المدينة . وإن كان هو الأول كان قتله إياه خفيّاً غير ظاهر ، فعلى هذا تكون الغفلة على أهل المدينة ليس على دخول موسى ، والله أعلم . وقوله : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } ؛ لأن الذي يصلح بين اثنين لا يقتل ولا يأخذ أحدهما دون الآخر ، ولكن يصلح بينهما على السواء الذي قال ما قال . وقوله : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } : قال بعضهم : يقول هكذا فعل الجبابرة ، يقتلون النفس بغير نفس . وقال بعضهم : الجبابرة تقتل النفس بغير نفس . وقال بعضهم : الجبار : هو الذي يحمل الناس على هواه وعلى ما يريده ، ويقهرهم على ذلك شاءوا أو أبوا . وقال بعضهم : الجبار : هو الذي يتكبر على الناس لا يرى أحداً لنفسه نظيراً أو كلام نحوه . ويقال : كل قاتل آخر على الغضب بغير حق فهو جبار . وقوله : { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } : يحتمل أن يكون أقصى المدينة هو سكن فرعون ومقامه ، فمنه جاءه ذلك الرجل . أو أن يكون أقصى المدينة : موطن الملأ والأشراف الذين ذكر أنهم ائتمروا على قتله . وقوله : { يَسْعَىٰ } : والسعي : هو العَدْوُ في اللغة ، كأنه يسرع المشي إليه ليخبره بذلك . وقوله : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } . { يَأْتَمِرُونَ } : قال بعضهم : يتشاورون في قتلك . وقال الزجاج : { يَأْتَمِرُونَ بِكَ } أي : يأمر بعضهم بعضا أن يقتلوك . وقال القتبي : { يَأْتَمِرُونَ } : أي يهمون في قتلك ، وذكر عنه أنه قال : { يَأْتَمِرُونَ } : يتشاورون بك ؛ وهو قول أبي عوسجة . وأصل الائتمار في اللغة هو الطاعة والاتباع لما يؤمر من الفعل ، كأن فرعون أمر الملأ أن يقتلوه فأطاعوه وائتمروا لأمره ، والله أعلم . وقوله : { فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } : قال الزجاج : قوله : { لَكَ } صلة ، والصلة لا تتقدم الموصول به ، ولكن معناه : فاخرج إني لك من الناصحين الذين ينصحون لك ، وليس كما قال ؛ الصلة تتقدم وتتأخر ، وذلك ظاهر الكلام . وقوله : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } : قد ذكرنا هذا . دل قوله : { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } أن الخوف قد يكون من دون الله . وجائز أن يخاف من غيره ، وليس كما يقول بعض الناس : إنه لا يسع الخوف من دون الله ، وحقيقة الخوف تكون من الله يخاف أن ينتقم منه على يدي هذا ، والله أعلم . وقوله : { رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } : يحتمل الظالم كل مشرك ؛ لأن كل مشرك ظالم . ويحتمل قوله : { رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } حيث هموا قتله ، وقتل موسى ذلك القبطي لم يوجب عليه القتل والقصاص ؛ لأنه لم يتعمد قتله أو لم يقتله بسلاح يجب به القتل ، فذكر أنهم فيما هموا قتله ظلمة .