Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 85-88)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَاد } : اختلف في قوله : { فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } ؛ قال بعضهم : { فَرَضَ } أي : نزل عليك . وقال بعضهم : فرض عليك العمل بالقرآن . وقال بعضهم : فرض تبليغ ما أنزل عليك [ من ] القرآن والرسالة إلى الناس . واختلف أيضاً في قوله : { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَاد } : قال بعضهم : إلى مكة . وقال بعضهم : المعاد : هو البعث والساعة . وقال بعضهم : المعاد : الجنة ، ويقال : الموت ؛ وكله البعث ، والمعاد هو البعث في الظاهر . وجائز أن تسمّى مكة : معادا ؛ لما يعود الناس إليها مرة بعد مرة ، كما تسمى : مثابة ؛ لما يثوب الناس إليها مرة بعد مرة . لكن من يقول بأن المعاد هو مكة يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة إلى المدينة فهاجر إليها اشتاق إلى بلده ومولده ومولد آبائه ، فنزل جبريل عليه بهذه الآية بشارة في العود إليها ظاهراً عليهم ، قاهراً ، فاتحاً له مكة ؛ هذا تأويل من يقول بأن المعاد هو مكة . وجائز أن يكون على غير هذا ، وهو يخرج على وجهين : أحدهما : كأنه حزن على الفراق منه إشفاقاً على هلاكهم لإخراجهم الرسول من بين أظهرهم ؛ لأن الأمم السالفة إذا خرج من بينهم الرسل نزل بهم العذاب ؛ فخاف أنهم لما أخرجوا من بين أظهرهم وأبوا إجابته أن يهلكوا أو يعذبوا ؛ كقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ، وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، فبشر بهذا أن ترد إليها وستعود إليهم ، فيتبعونك ويؤمنون بك ، وهم لا يهلكون إهلاك استئصال وتعذيب كسائر الأمم . والثاني : يذكر على الامتنان عليه ؛ يقول : إن الذي أنزل عليك القرآن وألقاه عليك بعد ما لم تكن ترجو إلقاءه عليك وإنزاله ، ولكن برحمته ومنته ألقاه إليك وأنزله عليك حيث قال : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } ؛ فعلى ذلك يردّك إلى مكة بعدما لم تكن ترجو ردّك وعودك إليها . وإن كان المعاد : هو البعث ؛ فهو يخرج على وجهين : أحدهما : على البشاره ؛ كأنه يقول : إن الذي فرض عليك القرآن يردّك ويبعثك بمن كذبك وبمن صدقك ، فينتقم من مكذبيك جزاء التكذيب ، ويجزي من يصدقك جزاء التصديق . والثاني : يذكره ويخاطبه ، وإنما يريد به قومه ، أي : سيبعثون وسيعودون إليها ، فيكون كالآيات التي يخاطب بها رسوله والمراد بها : قومه ؛ فهو يخرج على الوعيد لهم ، ألا ترى أنه قال : { رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : ربي أعلم بمن جاء بالهدى فيجزيه جزاء الهدى ، ومن هو في ضلال مبين فيجزيه جزاء ضلاله . ويخرج ذكر هذا عند دعاء أولئك الكفرة : أنهم على الحق والهدى ، وأن آباءهم كانوا على الحق والهدى ، وأنتم على ضلال ، فيقول : { رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } نحن أو أنتم ؟ ! فهو على التحاكم إلى الله أن يحكم بينهم ، فيجزي كلا بما جاء به ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } فهو يخرج على وجهين : أحدهما : وما كنت ترجو - وإن كنت مطيعاً أي : خاضعاً - أن يلقى إليك الكتاب وينزل عليك وتصير رسولا ، أي : لم تكن تطمع ذلك ، ولكن الله بفضله ورحمته جعلك رسولا نبيّاً . والثاني : ما كنت ترجو أن تكون في قومك وقبيلتك رسالة فضلا أن ترجو وتطمع في نفسك ؛ لأنهم ليسوا من بني إسرائيل ولا من أهل الكتاب ، والرسالة من قبل كانت لا تكون إلا في بني إسرائيل ، ولكن الله جعل الرسالة في العرب ، وفي نفسك برحمته وفضله ، والله أعلم . وقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } : هذا يخرج على وجوه : أحدها : على النهي ، أي : لا تكن ظهيرا وإن كان لا يكون للعصمة التي عصمه الله ؛ لأن العصمة لا تمنع النهي والأمر ، بل منفعة العصمة إنما تكون عن النهي والأمر . والثاني : على الأمن له والإياس أن يكون ظهيراً لهم ، كأنه يخاف لعله أن يكون ظهيراً لهم في وقت من الأوقات ، فأمنه الله عن ذلك فقال : لا تخف فإنك لا تكون ظهيراً لهم ، وهو ما ذكرنا في قوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [ الحجر : 88 ] وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] على رفع الحزن والحسرة بتركهم الإيمان ؛ فعلى ذلك الأول . والثالث : أن الخطاب وإن كان له في الظاهر فالمراد منه غيره ، على ما ذكرنا في غير آي من القرآن : أنه خاطب به رسوله والمراد به غيره ؛ وكذلك بهذا . وفي قوله : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } في هذا ما في الأول من الوجوه التي ذكرنا ؛ وكذلك : هذا في قوله : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . وقوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } : قال بعضهم : قوله : { كُلُّ شَيْءٍ } يرجى منفعته وشفاعته من دون الله باطل ، إلا ما ابتغي منه وعمل له . وقال بعضهم : كل شيء هالك وزائل إلا هو ؛ فإنه حي لا يموت دائم لا يزول . وقال بعضهم : كل أمر وجهة يتوجه إليها ويعمل به هالك إلا الجهة والوجه الذي أمر هو بالتوجيه إليه والعمل به ، وهو قريب بالأول ، والله أعلم .