Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 24-27)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } . قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } إلا كذا : ليس في جميع الأوقات وجميع المشاهد ، ولكن جائز أن يكون هذا : ما كان جواب قومه في مشهد إلا كذا . أو أن يكون : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا : اقتلوه أو حرقوه . وإلا لم يحتمل ألا يكون منهم إلا ما ذكر من الجواب قد كان جوابات وأجوبة سواء . لكن يحتمل ما ذكرنا : أن ما كان جواب قومه في مشهد إلا أن قالوا : اقتلوه أو حرقوه . أو ما كان آخر جواب قومه إلا قالوا : اقتلوه أو حرقوه ، وهو ما ذكرنا في قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 29 ] لا يحتمل أنه لم يكن منهم إلا هذا ولكن ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } : حين ألقوه فيها ، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } : ذكر الآيات في ذلك ، فجائز أن يكون ما ذكر في هذه السورة من أولها إلى آخرها - لآيات لمن ذكر . وجائز أن يكون فيما ذكر هنا خاصة ، لكن ليس من شيء إلا وفيه آيات من وجوه : آية الوحدانية ، وآية الألوهية ، وآية علمه وحكمته وتدبيره وبعثه ؛ فهو آيات . وقوله : { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ذكر الآيات للمؤمنين يحتمل وجهين : أحدهما : ذكر الآيات لهم ؛ لأنهم هم المنتفعون بها دون من كفر . والثاني : الآيات لهم على المكذبين بها والكافرين ، أي : حجة لهم عليهم ؛ كقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأنعام : 83 ] ، والله أعلم . وقوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ } كذا هو صلة قصة إبراهيم وإليه يرجع ، وهو ما تقدم من دعائه إياهم حيث قال : { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ … } الآية [ العنكبوت : 16 ] . وقوله : { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } يقول - والله أعلم - : ما اتخذتم من دون الله معبودات سميتموها : آلهة ، فهي ليست بآلهة ولا معبود ، إنما هي أوثان { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، يقول - والله أعلم : هذه الأصنام معبودات واجتماعكم عليها إنما هي مودة حياة الدنيا ، لا مودة لها عاقبة أو تدوم ، بل تصير العاقبة عداوة وبغضاً ، وهو ما ذكر . { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } ، قال بعضهم : يتبرأ بعضهم من بعض ، ويكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ؛ كقوله : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . وقال بعضهم : يتبرأ المتبوع من الأتباع ؛ كقوله : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 38 ] ، وقوله : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] ونحوه . ثم أخبر : أن مأوى الكل النار ، وما لهم من ناصر ينصرهم من عذاب الله ، أو يدفع عنهم العذاب . ثم اختلف في قوله : { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } . قال بعضهم : هذا قول إبراهيم لقومه ؛ كقوله : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات : 95 ] ؛ وكقوله : { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } [ الشعراء : 93 ] . وقال بعضهم : هذا قول الرسول لقومه الذين عبدوا الأصنام ، والله أعلم . وقوله : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } . قوله : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : قوله : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي : أظهر له لوط الإيمان من بين غيرهم ، وقد كان لوطا مؤمنا من قبل ليس أنه أحدث له الإيمان في ذلك الوقت ، ولم يكن مؤمناً قبل ذلك ، ولكن ما ذكرنا أنه أظهر له الإيمان من بين غيرهم . والثاني : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } فيما دعاه إليه وهو الهجرة ، أي : فيما أخبر أنه أمر بالهجرة فاستصحبه فيها . وقوله : { مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } : قال أهل التأويل : هذا قول إبراهيم كقوله : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } [ الصافات : 99 ] . وجائز أن يكون قوله : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } قول لوط . ثم لم يفهم من قوله : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } ، وقوله : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } [ الصافات : 99 ] انتقاله أو المكان أو شيء مما يوجب التشبيه مما يفهم من الخلق ، فكيف يفهم من قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ } [ البقرة : 210 ] ، وقوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ } [ الفجر : 22 ] و { ٱسْتَوَىٰ } [ البقرة : 29 ] وأمثاله - ما يفهم من مجيء الخلق وإتيانهم واستوائهم ؟ إذ لا فرق بين مجيء آخر إليه وبين مجيئه إلى آخر ؛ هذا في الشاهد سواء ، فكيف فهم في الغائب في أحدهما ما لم يفهم من الآخر ، وهما سيان في الشاهد ؟ ! فدل أنه لا يجوز أن يفهم منه شيء من ذلك ما يفهم من الخلق ؛ إذ أخبر أنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . وقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ } يعني : لإبراهيم ، { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } : ذكر أنه وهب له إسحاق ويعقوب ؛ ليعلم أن الولد هبة الله ، وكذلك ولد الولد ؛ لأن يعقوب كان ولد ولده ، حيث قال : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] فكلهم هبة الله إياه ، قال : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] . وقوله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } : لم تزل النبوة في ذرية إبراهيم من لدنه إلى هذا الوقت ، كان جميع أنبياء بني إسرائيل من ولد إسحاق ، ونبينا محمد - صلوات الله عليه - كان من ولد إسماعيل ، عليه السلام . وقوله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } : اختلف في الأجر الذي أخبر أنه آتاه إبراهيم في الدنيا : قال بعضهم : هو ما وهب له من الولد في الكبر . وقال بعضهم : هو ما سخر له الألسن بأجمعها على الثناء الحسن عليه ؛ حيث نسب جميع أهل الأديان على اختلاف أديانهم ومذاهبهم أنهم على دينه وسنته وسيرته وتولى كل به . وجائز أن يكون قوله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } : ما أخبر أنه آتى جميع المؤمنين وأعطاهم ، وهو ما قال : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } [ النحل : 30 ] ، وما ذكر من ثواب الدنيا ، فما من مؤمن إلا وقد آتاه الله في الدنيا أجرا وثوابا ، فذلك الذي أتى إبراهيم . أو لا نفسر ما ذلك الأجر الذي ذكر أنه آتاه الله ؟ والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } : هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أنه لو لم يكرمه الله بالنبوة والرسالة لكان هو أيضاً في الآخرة من الصالحين . والثاني : ذكر الصلاح له لحقيقة صلاحه ، أي : يكون هو ممن حقق الصلاح ؛ وكذلك ما ذكر في موسى وهارون حيث قال : { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 122 ] أي : من عبادنا الذين حققوا الإيمان ، وغيرهم من المؤمنين لم يحققوا . أو أن يكون ما ذكرنا ، أي : لو لم يكن الإكرام الذي أكرمه الله - وهو النبوة - لكان من المؤمنين أيضاً ، وإلا ليس في ذكر الإيمان والصلاح لهم كبير منقبة وفضيلة عند الناس ؛ إذ يسمى بهذين كل مؤمن ومصلح ، والله أعلم . وعن ابن عباس في قوله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } قال : عمله ما جزي في الآخرة . وقتادة يقول : آتاه الله عاقبة وعملا صالحاً وثناء حسناً ، وقال : فلست تلقى أحداً من أهل الملل إلا يرضى بإبراهيم ، والله أعلم بذلك . وقال بعضهم : ما ذكرنا : أنه أعطى الولد الطيب في كبر سنه .