Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 19-23)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } : إنهم قد رأوا أن كيف أنشأ الله الخلق في الابتداء ، وإن عجزوا عن الأسباب التي خلقهم ، ولا احتمل وسعهم ذلك ، فعلى ذلك يعيدهم على ما أبدأهم ، وإن عجز وسعهم عن احتمال ذلك وإدراكه ؛ إذ الأعجوبة في الإعادة ليست بأكثر من الأعجوبة في البداية ، بل الأعجوبة في ابتداء الإنشاء أكثر من الإعادة ؛ لما الإعادة عندكم أيسر وأهون من الابتداء ، فمن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر . { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } : الابتداء والإعادة جميعاً لا يعجزه شيء ؛ إذ هو قادر بذاته . وقوله : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } : كأن الأمر بالسير في الأرض والنظر ليس هو سيراً بالأقدام فيها ، ولكن أمر بإرسال الفكر فيها من الخلائق ، والنظر في بدء ما فيها من الخلق متقناً محكماً بالتدبير والعلم والحكمة بلا أسباب ؛ ليعلموا أن التقدير في ابتداء الإنشاء والإعادة بالخارج عن احتمال وسعهم وقوامهم - خطأ ، وأنه الذي قدر على إنشاء الخلق وابتدائه بلا سبب ولا شيء ، وإن لم يحتمل وسعهم وبنيتهم وقواهم ذلك ؛ فعلى ذلك الإعادة والنشأة الأخرى ، وإن كانت خارجة عن احتمال وسعهم وقواهم - قادر عليها . أو أن يقال : انظروا واعتبروا أن بدء الخلق والنشأة من الحكم العالم الذاتي بلا إعادة ورجوع ليس بحكمة في العقل والحكمة جميعاً ؛ لأن في الحكمة والعقل : التفريق بين الولي والعدو ، وبين الشاكر والكافر ، وبين المطيع والعاصي ؛ إذ قد سوى بينهم في الدنيا وأشركهم فيها ، حتى جعل للكافر ما للشاكر ، و [ كذلك ] الولي والعدو والمطيع والعاصي ؛ فلا بد من الإعادة في دار يفرق بينهم ليخرج بدء إنشائهم وخلقه الخلق على الحكمة والتدبير والعلم لا على السفه والعبث ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } : في النشأة الأولى والآخرة جميعاً لا يعجزه شيء ؛ إذ هو قادر بذاته . وقوله : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } : يحتمل هذا في الدنيا : يعذب من يشاء في الدنيا ، أي : يمتحنه ويبتليه بالشدة والضيق ، ويرحم من يشاء ، أي : يمتحنه بالسعة والرخاء ؛ فيكون التعذيب كناية عن الشدة والضيق ، والرحمة : كناية عن السعة والرخاء ؛ وهو كقوله : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي : ترجعون . ويحتمل التعذيب في الآخرة والرحمة فيها ، أي : يعذب من يشاء في الآخرة من كان في الدنيا أهلا له مستوجباً ، ويرحم من يشاء من كان في الدنيا أهلا لها مطيعاً لها . وقوله : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي : ما أنتم بمعجزين الله في السماء ، وعلى قول المعتزلة : يكونون معجزين الله في الأرض على ظاهر مذهبهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد أراد إبقاء الأخيار وأهل الصلاح ، ثم يجيء كافر فيقتلهم قبل أجلهم الذي أراد الله إبقاءهم إلى وقت . وكذلك يقولون : أراد الله أن يرزقهم الحلال ، وأراد أن يكون أولادهم من رشد ونكاح ، لكنهم يطلبون الرزق من حرام ويزنون ، فيخلق أولادهم من زنى شاء أو أبى ، لا يقدر التخلص عما يريدون هم ، فأي إعجاز يكون أشد من هذا ، فنعوذ بالله من السرف في القول . وقوله : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } هم يعلمون - أعني : الكفرة - أنهم لا يعجزون الله ولا يقدرون على إعجازه ، لكنه يذكر ؛ لأنهم كانوا يعملون عمل من هو معجز فائت عن عذاب الله ونقمته ؛ وهو كقوله : { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } [ سبأ : 38 ] ، هم يعلمون أنهم لا يقدرون أن يسعوا في آياته معاجزين ، لكنهم يسعون في دفع آياته والإنكار لها سعي معاجز لها لا سعي خاضع قابل ؛ فعلى ذلك الأول . وقوله : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي : ما لكم من دون الله مما طمعتم من النصر لكم والشفاعة وليس لكم ذلك ؛ لأنهم عبدوا تلك الأصنام لما طمعوا شفاعتها عند الله لهم والزلفى حيث قال : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ } [ مريم : 81 - 82 ] ، وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ونحوه فيقول : ما لكم مما طمعتم بعبادتكم تلك الأصنام من ولي ولا نصير . وقوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } . قوله : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } : يحتمل آيات الله : الآيات التي جاءت بها الرسل في إثبات الرسالة لهم ، ويحتمل آياته : الآيات التي جعلها لوحدانيته وألوهيته ولقائه ، أي : كفروا بالبعث ، وقد ذكرنا فيما تقدم وجه تسمية البعث : لقاءه . وقال الحسن : آيات الله : دين الله ، وكذلك يقول : كل آية في القرآن : الدين . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } : قال بعض أهل التأويل : { مِن رَّحْمَتِي } أي : من جنتي وتأويل هذا ؛ لأنهم قد كفروا بالبعث ، فإذا كفروا به زعموا أن لا ثواب ولا جزاء . وجائز أن يكون قوله : { مِن رَّحْمَتِي } أي : من رسلي وكتبي ؛ لأن الله سمى رسله وكتبه : رحمة في غير آي من القرآن ، أيسوا منهم ، حيث كذبوهم وكفروا بهم ، أيسوا أن يرسل الرسل أو ينزل الكتب . ويحتمل قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أولئك عليهم الإياس من رحمتي لما كفروا بآياته ورسله ، { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .