Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 36-40)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي : أرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً ، ومدين : قال بعضهم : اسم رجل نسبوا إليه . وقال بعضهم : اسم موضع ، وقد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } : أن الرسل - صلوات الله عليهم - قد خوفوا الكفرة بعذاب ينزل بهم في الآخرة بتكذيبهم إياهم وعنادهم ، فلم ينجع ذلك فيهم ، ولم يرتدعوا عما هم فيه ، حتى أوعدوهم بعذاب ينزل بهم في الدنيا ، فلم ينجع ذلك ولم يمتنعوا عن ذلك ، حتى أوعدوهم بنزول ما قد شاهدوا وعاينوا من آثار من قد أهلكهم بتكذيبهم الرسل وردهم إجابتهم ، وهو ما قال : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } أي : أهلكنا عاداً وثمود { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } أي : قد تبين لكم من مساكنهم ما تعرفون أنهم إنما أهلكوا بالذي أنتم عليه ، وهو التكذيب ، والردّ بأخبار تصدّقونها ، وبآثار تشاهدونها ، وهو كما قال : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] والله أعلم . وقوله : { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي : زين لهم الشيطان أعمالهم كما زين لكم ، وصدّهم عن السبيل كما صدكم . { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } اختلف فيه : قال بعضهم : أي : وكانوا يحسبون أنهم على هدى وحق . وقال بعضهم : { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي : كانوا عالمين بأن العذاب ينزل بهم بما شاهدوا وعاينوا من آثار من تقدمهم ، وعلمهم بأنهم إنما أهلكوا بالذي هم عليه ، لكنهم عاندوا . وقال بعضهم : { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } : أي هالكين في الضلالة . وقال بعضهم : { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي : كانوا بصراء علماء في أنفسهم ، يعرفون الحق من الباطل ، ليس كغيرهم من الأمم ؛ ألا ترى أنهم قد طلبوا من رسلهم الحجة ، والآية على ما يدعون إليه حيث قالوا : { يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [ هود : 53 ] وقال قوم صالح : { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 154 ] ونحوه . وقال قتادة : { مُسْتَبْصِرِينَ } أي : معجبين بضلالتهم . وقوله : { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } أي : أهلكنا قارون وفرعون وهامان بتكذيبهم موسى ، فتهلكون أنتم يأهل مكة بتكذيبكم محمداً . وقوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي : كذبوا بعدما جاءهم موسى بالبينات على نبوته ورسالته كما جاءكم محمد . وقوله : { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } جائز أن يكونوا استكبروا ، وأبوا أن يخضعوا لموسى . أو { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : سعوا في الأرض بالفساد تكبراً واستكباراً { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } أي : فائتين من عذاب الله . وقوله : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي : الحجارة ، وهم قوم لوط ، وقوم هود أهلكوا بالريح العاصف ؛ حيث قال : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 41 - 42 ] . قال أبو معاذ : الحاصب عند العرب : الريح التي فيها الزنانير ، وهي صغار من الحصى { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } وهم قوم صالح وقوم شعيب وهؤلاء { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } قارون وأصحابه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } قوم نوح وفرعون . يذكر إهلاك هذه الأمم والجبابرة لأهل مكة ولغيرهم من الكفرة ، وقد تواترت عليهم بذلك الأخبار ، وظهرت الأعلام والآثار ليرتدعوا عما هم عليه ، ولئلا يعاملوا رسولهم كما عامل أولئك رسلهم فيعذبون كما عذب أولئك . وقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } في تعذيبه إياهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث كذبوا الرسل ، وكابروا آيات الله وحججه وبراهينه وعاندوها ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : قوله : { سِيۤءَ } [ هود : 77 ] أي : اغتم من ذلك ؛ يقال : سئت بفلان أساء سوءاً ؛ فأنا مسوء . وقوله : { جَاثِمِينَ } أي : لزقوا بالأرض . { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي : قد علموا ، والمستبصر : العالم . وقوله : { أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } أي : صيح بهم فماتوا .