Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-45)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والعنكبوت : هذه التي تغزل ، وهي دويبة كثيرة القوائم ، وعناكب : جمع . وقوله : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } يشبه أن يكون ضرب مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ببيت العنكبوت هم الرؤساء منهم والمتبوعون . يقول - والله أعلم - : مثل اتخاذكم أولئك أولياء من دون الله وما تأملون منهم كمثل بيت العنكبوت ، لا ينفع ولا يغني ما يؤمل من البيت من دفع الحرّ والبرد وغيره ، فعلى ذلك اتخاذكم واتباعكم هؤلاء أولياء من دون الله مثل ما ذكر ، لا ينفع ولا يغني ولا يدفع عنكم ما ينزل بكم ، وهو ما قال : { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ … } الآية [ العنكبوت : 25 ] ، ظاهر ما ذكر من الأولياء أن يكون المتبوعون منهم . وجائز أن تكون الأصنام التي اتخذوها آلهة ، ضرب مثل عبادتهم الأصنام واتخاذهم إياها آلهة ببيت العنكبوت ، وذلك أن العنكبوت اتخذت البيت رجاء أن تنتفع به كما ينتفع بالبيوت في دفع الحر والبرد ، والستر والحجاب ، فلما أن وقعت الحاجة إليه لم تنتفع ما كان تأمل منه في شيء مما كانت تأمل ، فعلى ذلك هؤلاء الذين اتخذوا الأصنام آلهة ومعبوداً ؛ رجاء أن ينفعهم ذلك يوماً ، فلما أن وقعت لهم الحاجة لم يجدوا ما كانوا يأملون من عبادتهم إياها واتخاذهم آلهة ؛ بل في بيت العنكبوت للعنكبوت شيء من المنفعة ، وليس لأولياء العبدة لتلك الأصنام شيء مما كانوا يأملون ، فهي دون بيت العنكبوت في المنفعة ، لكنه - والله أعلم - ضرب مثلها ببيت العنكبوت ؛ لما لا شيء أوهن وأضعف عند الخلق من بيتها ، وهو ما شبه أعمال الكفرة برماد اشتدت به الريح ، وبسراب بقيعة ؛ لما ليس شيء أضيع ولا أبعد في الوجود والقدرة عليه في الوهم مما ذكر ؛ فيشبه أعمالهم به ، فعلى ذلك تشبيه اتخاذ أولئك الأصنام آلهة وأولياء من دون الله ببيت العنكبوت ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } أي : أضعف وأبعد من المنفعة بيت العنكبوت ، فعلى ذلك عبادتهم الأصنام واتخاذهم إياها معبوداً أوهن وأبعد مما يأملون { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي : إن كانوا يعلمون ضعفها وعجزها ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [ هو ] - والله أعلم - : أن الله لم يزل عالماً بما يكون منهم من اتخاذهم الأصنام معبوداً ، وأنه عن علم أنشأ لهم ذلك لا عن غفلة وسهو ، لكن أنشأهم لمنافع أنفسهم ولحاجة لهم لا لحاجة ومنفعة له في إنشائه إياها ، وهو ما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 6 ] وقال هاهنا : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } العزيز : قيل : إنه المنيع . وقيل : إنه الذي يذل كل شيء دونه . لكن العزيز عندنا : هو الذي لا يعلو سلطانه شيء ، ولا يقهر ملكه شيء ، ويعلو سلطانه وإرادته على جميع الأشياء ويقهرها . والحكيم : قيل : الذي له الحكم . وقيل : هو المصيب . وقيل : هو الذي يضع كل شيء موضعه . والحكيم عندنا : هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، والله أعلم . وقوله : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } فإن قيل : ذكر أنه لا يعقلها إلا العالمون ، والعقل يسبق العلم بالشيء ؛ إذ بالعقل يعلم ما يعلم ، فكيف ذكر أنه لا يعقل إلا العالمون ، ولم يقل : وما يعلمها [ إلا ] العاقلون ؟ فهو - والله أعلم - لوجوه : أحدها : أن الأمثال إنما تضرب لتقريب ما يبعد عن الأوهام ، ولكشف ما استتر من الأشياء على الأفهام وتجليها عما خفيت فلا يعقل الأمثال أنها لماذا ضربت ؟ - إلا العالم . والثاني : أن العقول تعرف أسباب الأشياء ودلائلها ، فإما أن تعرف حقائق الأشياء وأنفسها فلا ، من نحو المسالك والطرق إلى البلد التي تعرف مسالكها وطرقها التي بها يوصل إليها ، فأما أعينها فلا ، وكذا المراقي التي بها يعلو ويرتفع ، فأمّا عين العلوّ فلا ، وأما العلم فإنه يوصل إلى معرفة حقائق الأشياء وأنفسها وصورها ؛ لذلك كان ما ذكر . والثالث : أن يكون قوله : { وَمَا يَعْقِلُهَآ } أي : وما ينتفع بما ذكر إلا العالمون ، وهو كما قال : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] نفى عنهم هذه الحواس وإن كانت لهم أنفس تلك الحواس لما لم يستعملوها فيما جعلت وأنشئت ، ولم ينتفعوا بها ، فنفى عنهم تلك ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أي : ما ينتفع بما يعقل إلا العالم ، فأما من لم ينتفع فلا يعقل ، والله أعلم . وقوله : { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } يحتمل قوله : { بِٱلْحَقِّ } أي : لعاقبة ، وهو البعث ؛ لأنه لم يخلقهما لأنفسهما ، وكذلك لم يخلق الدنيا للدنيا ، ولكن إنما خلقها للآخرة ؛ إذ بالآخرة يصير خلقها حكمة وحقّاً ؛ لأنه لو لم يكن خلقها لعاقبة كان خلقها عبثاً باطلا ، وهو ما قال : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] لا كافر يظن أنه خلقهما باطلا ، ولكن تركوا الإيمان بالبعث وأنكروا البعث ؛ كأنهم ظنوا أنه خلقهما باطلا ؛ إذ لولا البعث كان خلقهما باطلا عبثاً فإنما صار خلقهما حقّاًَ وحكمة بالبعث ، فإذا أنكروا ما به صار خلقه إياهما حكمة وحقّاً - فقد ظنوا الباطل بخلقهما ، فنسأل الله التوفيق والصواب . ويحتمل قوله : إنه خلقهما ؛ لتدلا على الحق ؛ لأنهما تدلان على وحدانية الله وربوبيته وتعاليه عن الأشباه والشركاء وجميع الآفات . أو أن يكون بالحق الذي لله عليهم . أو بالحق الذي لبعضهم على بعض ، والله أعلم . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } صير آية لمن أقر بها وآمن ؛ إذ هو المنتفع بها ، فأمّا من أنكر وجحد وكذبها فهو آية عليه لا له ، والله أعلم . وقوله : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } جائز أن يكون قوله : اتل ما أوحي إليك من الكتاب ، وأقم به الصلاة أي : بالكتاب الذي أوحي إليك . ويحتمل : اتل ما أوحي إليك من الكتاب عليهم ، وأقم بهم الصلاة ؛ فالخطاب وإن كان لرسول الله فهو لكل أحد ؛ على ما ذكرنا في سائر المخاطبات ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } ، هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على الامتنان . والثاني : على الإلزام . فأما وجه الامتنان : فهو أن جعل لكم الصلاة لتمنعكم عن الفحشاء والمنكر ما لو لم يجعلها لكم لا شيء يمنعكم عن الفحشاء والمنكر ؛ فيمنُّ عليهم بجعل الصلاة لهم ؛ لما تمنعهم عما ذكر . وأما وجه الإلزام : فإنه يخرج على وجهين : أحدهما : أن الصلاة لو كان موهوماً منها النطق والنهي ، لكانت تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛ على ما أضاف التغرير والتزيين إلى الحياة الدنيا ؛ أي : لو كان هذا الذي كان من الدنيا ، كان ممن له التغرير - كان ذلك تغريراً ؛ فعلى ذلك الصلاة لو كان منها حقيقة الأمر والنهي لكانت تنهى عن الفحشاء والمنكر . والثاني : أضيف النهي إلى الصلاة ؛ لما بها يعرف ذلك ، فقد تضاف الأشياء إلى الأسباب وإن لم يكن منها حقيقة ما أضيف إليها ؛ نحو ما يضاف الأمر والنهي إلى الكتاب والسنة ونحوه ؛ يقال : أمرنا الكتاب بكذا ، والسنة بكذا ، ونهانا عن كذا ، وإن لم يكن منهما أمر حقيقة ولا نهي ؛ لما بهما يعرف الأمر والنهي ، وهما سببا ذلك ؛ فعلى ذلك جائز إضافة النهي إلى الصلاة أن يكون على هذا السبيل . وقوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } اختلف فيه : قال بعضهم : ذكر الله أكبر في العبادات من أنفس تلك العبادات . ووجه هذا - والله أعلم - : أن العبادات إنما تكون بجوارح تغلب وتقهر وتستعمل ؛ فلا تعرف تلك أنها لله إلا بتأويل . وأمّا ذكر الله إنما يكون باللسان والقلب ، وهما لا يغلبان ، ولا يستعملان ولا يقهران ، فهو يعرف أن ذلك لله حقيقة ، فهو أكبر . وقال بعضهم : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } من سائر الأذكار التي ليست لله ؛ فهذا ليس فيه كبير حكمة ؛ لأن ذلك يعرفه كل أحد . وقال بعضهم : ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة . وقال بعضهم : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ؛ لأن ذكره إياكم رحمة ومغفرة ، وذلك مما لا يعدله ولا يوازيه شيء ، وأما العبد فإنه يذكر ربه بأدنى شيء . وقال بعضهم : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } : أي : ما وفق الله العبد من ذكره إياه وطاعته له أكبر من نفس ذلك الذكر ونفس تلك العبادة . وذكر في حرف ابن مسعود وأبيٍّ وحفصة : { إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر } . وعن الحسن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً ، ولم يزدد بها عند الله إلا مقتاً " . وعن سلمان الفارسي قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : لهذا وجهان : أحدهما : يقول : ذكر الله أكبر مما سواه من أعمال البر . والآخر : يقول : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . والضحاك يقول : العبد يذكر الله عند ما أحل له وحرم عليه ، فيأخذ بما أحل ويجتنب ما حرم عليه . وقتادة يقول : لا شيء أكبر من ذكر الله . وأصله ما ذكرنا من الوجوه التي تقدم ذكرها . وقوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } قال بعضهم : تنهى وتمنع ما دام فيها لا يعمل بالفحشاء والمنكر . والثاني : أن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر ؛ أي : لو كانت لها النطق بالأمر والنهي لكانت تنهى عما ذكر . والوجه فيه ما ذكرنا بدءاً ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } وعيد ؛ ليكونوا أبداً على حذر ويقظة .