Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } وفي بعض القراءات : { ءاية من ربه } على الوحدان ؛ فكأنهم سألوه مرة آية ؛ كقوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } [ الشعراء : 4 ] وإنما ينزل إذا شاء بعد السؤال ، ومرة سألوه آيات ؛ كقولهم : { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } [ الفرقان : 7 - 8 ] ، وكقولهم : { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً … } الآية [ الإسراء : 91 ] ، ونحوها من الآيات التي سألوها ، فمرّة سألوه آيات ، ومرة سألوه آية ، فقول من قال : أختار قراءة { آيَاتٌ } على قراءة { ءاية } ) محال إذا ثبت أنه قراءة ، فأخبر - عز وجل - على ما كان منهم ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي : من عنده تجيء الآيات ؛ فكأنهم سألوه آيات قاهرة تقهرهم وتضطرهم على القبول والإقبال إليه الآيات يكون في ذلك وجه الاختيار ، لكن سؤال عناد ومكابرة ، لا سؤال استرشاد واستهداء فقال : إن الله قد عفا عن هذه الأمة عن إنزال ما به هلاكهم على أثر سؤال العناد والمكابرة ، وإن كان في غيرها من الأمم السالفة ينزل عليهم الهلاك والعذاب على إثر سؤال العناد ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : وإنما أنا نذير من الله مبين : أن الله أمرني بذلك وأرسلني إليكم . والثاني : { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : ليس عليَّ إلا الإنذار لكم أبين النذارة ، فأمَّا غير ذلك فليس عليّ ؛ كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ … } الآية [ الأنعام : 52 ] ، ونحوه . وقوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } هذا يدل أنهم إنما سألوا سؤال عناد واستهزاء ، لا سؤال استرشاد ؛ حيث قال : إن فيما أنزل عليهم من الكتاب كفاية لمن كانت همته الاسترشاد والإنصاف ، فأما من كانت همته العناد والمكابرة فلا . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً } أي : فيما أنزل من الكتاب عليك لرحمة ، أي : رشد { وَذِكْرَىٰ } : عظة { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . وقوله : { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } هذا يقال لوجهين : أحدهما : عند الإياس من قبول الحجج والآيات يقول : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ الرعد : 43 ] أي : حاكماً { بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أينا على الحق ؟ وأينا على الضلال نحن أو أنتم ؟ ! . والثاني : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ الرعد : 43 ] : عالماً في تبليغ ما أمرت بتبليغه إليكم وإتيان ما آتيتكم به من الآيات والحجج { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . وقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } كأن استعجالهم وسؤالهم الآيات على علم منهم أنّه لا ينزل ولا يأتيهم - يخرج مخرج الاستهزاء بالرسل والتمويه والتلبيس على الأتباع والضعفاء ؛ لأنهم يعلمون أن الله لا يعذب ولا يهلك هذه الأمة إهلاك استئصال وانتقام كما أهلك الأمم المتقدمة بالعناد والاستهزاء بالرسل ؛ إذ قد أمهلهم إلى وقت ، فإن علموا ذلك من الإمهال والتأخير سألوا الرسول العذاب الذي أوعدهم والآيات القاهرة ، ووعدوا الإيمان لو جاءهم ، وأقسموا على ذلك بقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ … } الآية [ الأنعام : 109 ] ؛ تمويهاً وتلبيساً على أتباعهم وضعفائهم يرونهم أنهم على حق في الإيمان فيما يدعوهم الرسول ، وأنه لو أتى بآية وحجة يؤمنون به ويتبعونه ، وهم فيما يسألون من الآيات والعذاب عالمون أنهم معاندون كذبة متمردون ملبسون مموهون على الأتباع والسفلة ؛ لما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً … } الآية . فإن قال لنا ملحد : إنه حيث أخّر عنهم العذاب وأمهلهم علم منهم أنهم يستعجلون ، أو لم يعلم ذلك ، فإن قلت : على غير علم منهم فقد أثبت الجهل له ، وإن قلت : على علم منهم ذلك فكيف أمهل ذلك وقد علم ما يكون منهم ؟ قيل : إمهاله العذاب عنهم وضرب الأجل رحمة منه لهم وفضل ؛ كأنه قال : ولولا رحمته التي جعل لهم على نفسه لجاءهم العذاب كما جاء الأمم الخالية عند سؤالهم الرسل العذاب والآيات بالعناد والاستهزاء ، وهو كقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] حيث لم يستأصلهم كما استأصل أولئك . وقوله : { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } يحتمل قوله : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ } أي : عذاب جهنم محيط يومئذٍ بالكافرين ، أو النار محيطة بالكافرين . وجائز أن يكون : أي : يستعجلونك بالعذاب ، وإن أعمال أهل جهنم وأسبابها التي توجب لهم جهنم محيطة بهم ؛ كقوله : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ البقرة : 175 ] أي : ما أصبرهم على الأعمال والأسباب التي توجب لهم النار ، وإلا لا أحد يصبر على النار ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي : أسباب جهنم وأعمالهم التي توجب لهم جهنم والنار محيطة بهم ، والله أعلم . وقوله : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } كقوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] - ظاهر .