Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-49)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } الآية تخرج على وجوه ثلاثة : أحدها : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادلوهم بالتي هي أحسن ولا غيره ، وهم الذين لا يقبلون الحجة ، ولا يؤمنون إذا لزمتهم الحجة ، وهم أهل عناد ومكابرة ، والأوّلون يقبلون الحجة ، ويؤمنون بها . والثاني : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ؛ فقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } ليس على الثنيا من الأوّل ، ولكن على الابتداء ؛ كأنه قال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } قولوا : { آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا … } إلى آخر ما ذكر ؛ أي : قولوا لهم هذا ، ولا تجادلوهم ؛ فإنكم وإن جادلتم إياهم فلا يؤمنون ، وهو كقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } [ البقرة : 150 ] قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } ليس على الثنيا من الأول ، ولكن ابتداء نهي ؛ أي : لا تخشوهم واخشوني ، فعلى ذلك يحتمل الأول مثله . والثالث : جائز أن يكون قوله : { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ … } إلى آخر ما ذكر : هي المجادلة الحسنة التي أمروا بها ؛ لأن تلك مما يقبلها العقل والطبع ، وبها جاءت الكتب والرسل ، فلا سبيل إلى ردّ ذلك . وقال بعضهم : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : جادلوا الذين يصدّقون منهم ولا يكتمون نعت محمد وما في كتبهم من الحق ، فأمّا الذين تعلمون أنهم يكتمون ولا يصدّقون فلا تجادلوهم ، وهو كقوله : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] والأوّل كقوله : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ … } الآية [ آل عمران : 64 ] ، والمجادلة الحسنة هي التي جاء بها الكتاب ويوجبها العقل . ثم فيه دلالة جواز المناظرة والمجادلة مع الكفرة في الدين ، وكذلك - قوله تعالى - : { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] ليس كما يقول بعض الناس : إنه لا يجوز معهم المناظرة ، وذلك لجهلهم بحجج الإسلام وبراهينه ؛ [ على ] ما ينهون عن المجادلة والمناظرة معهم . وقال بعضهم : من لا عهد معهم فجادلهم بالسيوف ، ومن كان معه عهد وكتاب فجادلهم بالحجج . وقال بعضهم : هو منسوخ بقوله : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ … } الآية [ التوبة : 29 ] . ومنهم من يقول : من أدّى إليكم الجزية فلا تغلظوا له القول وقولا لهم قولا حسناً ، ومن لم يؤدّ فاغلظوا لهم وجادلوهم بالسيوف ، والله أعلم . وقوله : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي : كما أخبرناك في الكتاب ، فقل لهم ، أو جادلهم . وقوله : { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يخرج على وجهين : أحدهما : الذين آتيناهم الكتاب فيتلونه حق تلاوته ، فهم يؤمنون به ؛ على ما ذكرنا في آية أخرى : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ البقرة : 121 ] فتكون هذه الآية تعريفاً للأولى ، وأمّا من لم يتله حق تلاوته فلا يؤمنون به . والثاني : فالذين آتيناهم الكتاب وانتفعوا به ؛ أي : يؤمنون بالذي أوتوا من الكتاب . { وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ } يحتمل قوله : { وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ } أي : من أهل مكة من يؤمن به ، وقد آمن كثير منهم . وجائز أن يكون ذلك إلى قوم كانوا بحضرته ، فقال : { وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ } ، والله أعلم . { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة أن اليهود والنصارى عرفوه كما عرفوا أبناءهم ، لكنهم جحدوه ، وكل من أنكر شيئاً فقد جحده ؛ عرفه أو لم يعرفه . وقوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } تأويله - والله أعلم - : أي : ما كنت تتلو من قبله - أي : من قبل هذا الكتاب - من كتاب ، ولو كنت تتلو لارتاب المبطلون فيقولون : إن ما أنبأتهم من الأنباء المتقدمة أو كلام الحكمة إنما تلقفت وأخذت من تلك الكتب المتقدمة أو كتب الحكماء ، ولو كنت تخطه بيمينك يقولون : إن ذلك من تأليفك ووصفك ؛ لأن القرآن حجة عليهم من وجهين : أحدهما : ما ذكر فيه من الأنباء المتقدمة المترجمة بغير لسان المتقدم ما علموا بأجمعهم أن رسول الله - صلوات الله عليه - كان لا يعرفها بمترجم ولا شهدها هو ، ثم أنبأهم على ما كان ، فعلموا أنه بالله عرفها . والثاني : هو آية معجزة نظماً ووصفاً ما يعملون أنه ليس من نظم البشر ولا وصفه ، فيقول : ما كنت تتلو من قبله كتاباً فيه تلك الأنباء والحكمة ولا تخطه بيمينك ؛ فيقولون : هو من تأليفك أو من نظمك ، فلو كنت كذلك إذن لارتاب المبطلون بما ذكرنا على عناد منهم ومكابرة ، ولا يرتاب المحقون ، وإن كان كما ذكر ؛ لما عرفوا صدقه بأشياء وبآيات كانت فيه . وقال بعضهم في قوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ } يقول : قبل القرآن { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي : لا تكتبه بيدك ، ولو كنت تقرأ كتاباً من قبله أو كنت تكتب بيدك إذن لارتاب المبطلون ؛ يقول : لاتهموك ؛ هذا قد ذكرناه ، ولكن نقول في قوله : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } بل هو اليقين أنك لا تقرؤه ، أو لا تكتبه عند الذين أوتوا العلم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب من نحو عبد الله بن سلام وأصحابه . وقوله : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } يحتمل القرآن ؛ إذ فيه آيات وحدانية الله وحججه ، وآيات البعث وحججه وآياته . ويحتمل قوله : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ } رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أول ما نشأ إلى آخر أمره آية ؛ لما ذكر من النور في وجه أبيه ما دام في صلبه ، ثم في وجه أمه ؛ إذا وقع في رحمها ، ثم من ضياء الليلة التي ولد فيها ، ثم من ظل السحاب الذي أظله وقت ما خرج من وطنه ، وأمثال ذلك كثير ما لا يقدر إحصاؤه ، والله أعلم . فذلك كله يدل على رسالته ونبوته ، لا يرتاب فيه إلا المبطل المعاند المكابر . وقوله : { فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } جائز أن يكون قوله : { فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي : أوتوا منافع العلم ، أي : هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا منافع العلم ، فأمّا من لم يؤت منافع العلم فلا . وقوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } يحتمل : الظلم : ظلم الآيات ، لم يضعوها في موضعها . ويحتمل : الظالمون : الكافرون .