Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 101-103)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وعلى ذلك قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } . على أن الذي أراكم الرسول صلى الله عليه وسلم ألذّ للعقول ، وأروح للأبدان مما وُعِدوه مع سوء المآب ، والله أعلم . وقوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } : وهو على وجه التعجب ظاهر ، ولكنه على طلب الحجة في كفرهم . { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } . يدفع عنكم الشبهة التي عرضت لكم بإلقاء الكفار إليكم . { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } : أي : من جعل الله - عز وجل - ملجأً له ، ومفزعاً إليه عند الشبه والإشكال . { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . أي : يحفظه عن الشبه ، ويرشده إلى صراط مستقيم ، والله أعلم . ويحتمل : { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } : يتمسك بالذي جاء من القرآن ، { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } : رُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " { حَقَّ تُقَاتِهِ } : أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " ، وأراد : حق تقاته ؛ مما يحتمل وسع الخلق . ورُوي في حرف حفصة : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أي : اعبدوا الله حق عبادته ، وهذا في اعتقاد التوحيد . وروي عن أنس - رضي الله عنه - يقول : " لا يتقي الله أحد حق تقاته حتى يخزن من لسانه ، وبعد كلامه من عمله " . وقيل : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } : أطيعوا الله حق طاعته . وقيل : إن هذا نسخها قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } الآية [ التغابن : 16 ] ؛ لكن لا يحتمل أن يأمر الخلق بشيء ليس في وسعهم القيام به ، ثم ينسخ ذلك بما يستطاع ، ولكن أصله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ لله عَلَى عِبَادِهِ حَقّاً ، وَلِعِبَادِهِ عَلَيْهِ حَقّاً ، وَحَقُّ الله على عَبْدِهِ : أَنْ يَعْبُدَ الله ، وَلاَ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِيهِ . وَحَقُّ العَبْدِ عَلَى الله : أَنْ يُدْخِلهُ الجَنَّةَ ؛ إِذَا عَبَدَهُ ، وَلَمْ يُشْرِكْ غَيْرَهُ فِيهِ أَحَداً " ليكون هذا تأويلاً للآية أن قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تكفروه ؛ فيكون فيه الأمر بالإيمان ، والنهي عن الكفر ؛ لأنه ليس في وسع أحد أن يتقي الله حق تقاته في كل العبادة ؛ ألا ترى إلى ما روي من أمر الملائكة مع ما وصفوا من عبادتهم أنهم { لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] و { لاَ يَسْئَمُونَ } [ فصلت : 38 ] ، ثم يقولون : ما عبدناك حق عبادتك ؟ ! . وإذا كان أحد لا يبلغ ذلك فلا يحتمل تكليف مثله ، وجملته : أن ذلك ليس بذي حدّ وغاية ، فلذلك كان - والله أعلم - الأمر فيه راجع إلى الإسلام ، أو في نفي حق الإشراك خاصّة ، لا في جميع الأحوال والأفعال ، دليله ما ختم به الآية ، وفي وسع الخلق ألا يشركوا أحداً في عبادته ؛ ألا ترى أنه قال : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } ؟ ! . وفي ظاهر الآية النهي عن الموت إلا مسلماً ، وليس في الموت صنع للخلق ؛ والمعنى - والله أعلم - : أي : كونوا في حال إذا أدرككم الموت كنتم مسلمين ؛ فالنهي فيه نهي عن الكفر ، والأمر بالإسلام ، حتى إذا أدركه الموت أدركه وهومسلم ، والله أعلم . وقد يكون على بيان ألا عذر عند الموت - وإن اشتد أمره - بالذي ليس بإسلام . وروي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال : " أكثر ما يسلب الإيمان عند الموت ؛ كان الشيطان يطمعه في أمر لو أعطاه ما طلب " . ويحتمل قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أي : احذروا عذاب الله حق حذره ، واحذروا نقمته ؛ كقوله : { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } بمعنى نقمته . وقوله : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } : اختلف فيه ؛ قيل : حبل الله ؛ يعني : القرآن ، وهو قول ابن مسعود ، رضي الله عنه . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " حبل الله : الجماعة ، وإنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها " ، أمر بالكون مع الجماعة ، ونهي عن التفرق ؛ لأن أهل الإسلام هم الجماعة ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] وصف أهل دين الإسلام بالجماعة ، وأهل أديان غيرها بالتفرق . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أيضاً - قال : حبل الله : الجماعة . ورُوي في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ فَارَقَ الجَمَاعةَ قِيدَ شِبْرٍ ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ " يعني : حبل الإسلام . وروي عنه - أيضاً - قال : " إِنَّ الشيْطَانَ ذئب [ الإنسان ] كَذِئْبِ الغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاذَّةَ والقَاصِيةَ وَالنَّاحِيَةَ ، فَإِيَّاكُمْ والشِّعَابَ ، وَعَليكُم بِالجَمَاعَةِ وَالعَامَّةِ وَهَذَا المَسْجِدِ " . ورُوي عن علي [ بن أبي طالب ] - رضي الله عنه - قال : " دعاني النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً ثلاث مرات ، ثم قال : " يَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلافٌ " ، قلت : كيف نصنع يا رسول الله إذا كان كذلك ؟ قال : " عَلَيْكمُ بكِتَابِ اللهِ ؛ فإِنَّ فِيهِ نَبَأَ مَنْ قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرَ مَا بَعْدَكُمْ ، وهُو حَكَمٌ فِيمَا بَيْنَكُمْ ، مَنْ يَدَعْهُ مِنْ جَبَّارٍ يَقْصِمْهُ الله ، وَمَنْ طلب الهُدَى فِي غَيرِهِ يُضِلَّهُ اللهُ ، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ ، وَأَمْرُهُ الحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذي لاَ تَخْتَلِفُ فيهِ الأَلْسِنَةُ ، وَلاَ يَخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ " . وقيل : حبل الله : دين الله . الحبل : هو العهد ؛ كأنه أمر بالتمسّك بالعهد التي في القرآن ، والقيام بوفائها ، والحفظ لها ، ونهي عن التفرق كما تفرقت الأمم الخالية ، واختلفت في الأديان . وقوله : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } : بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : ألّف بين قلوبكم بالإسلام . وقيل : بالقرآن ، ولم يكن ذلك للدّين نفسه ، ولكن بلطف من الله منَّ به على أهل دينه ، وأخبر أن التأليف بين قلوبهم نعمة ؛ لأن التفرق يوجب التباغض ، والتباغض يوجب التقاتل ؛ وفي ذلك التفاني . وعلى قول المعتزلة : ليس من الله على المسلم من النعمة ، إلا ومثلها يكون على الكافر ؛ لأن الهدى والتوفيق - عندهم - هو البيان ، فذلك البيان للكافر كهو للمسلم ؛ وعلى قولهم - لا يكون من الله على أحد نعمة ؛ لأنهم لا يجعلون لله في الهداية فعلاً ، إنما ذلك من الخلق ، وأمّا عندنا : فإنما يكون الإسلام بهدايته إياه ، فذلك من أعظم النعم عليه . وقوله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } : أي : صرتم بنعمته إخواناً . وقوله : { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } : أي : كنتم أشفيتم حفرة من النار ، وهو القريب منها ، لولا أنه منّ بالإسلام . ويحتمل أن يكون على الكون فيها والوقوع ، لا القرب ؛ كقوله : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } [ التكاثر : 6 ] ليس على الرؤية خاصة ؛ ولكن على الوقوع فيها ؛ وكقوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ آل عمران : 106 ] ليس على البعد منها ؛ ولكن على الكون فيها ، ومثله كثير يترجم على الوقوع فيها . وقوله : { حُفْرَةٍ } : كأنه قال : كنتم على شفا درك من دركات النار ، { فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } . وهذا - أيضاً - على المعتزلة ؛ لأن على قولهم : هم الذين ينفذون أنفسهم ، لا الله ، على ما ذكرنا ، [ والله أعلم ] . قال الشيخ - رحمه الله - نقول : إذا كان الله - تعالى - عندهم قد جمع بين الكفرة والبررة في بذل الأصلح لهم في الدّين ، وليس منه غير ذلك فلا يجيء أن يمنّ عليهم به يتألف بنعمته ، والتي منه موجود مع التفرق ؛ بل أولئك تألفوا بنعتمهم . وبعد ؛ فإنّ النعمة لو كانت ديناً ، فما الذي كان منه حتى يمنّ ، وذلك فعلهم بلا فضل منه فيه ؟ ! والله أعلم . وفي قوله : { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ } الآية : أنه قد يلزم خطاب الإيمان حين الفترة ؛ لأنهم في ذلك الوقت كانوا قد أنقذوا ، والله الموفق . وقوله : { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } : إذ كنتم أعداء في الجاهلية والكفر ، متفرقين ، وصرتم إخواناً في الإسلام ؛ كلمتكم واحدة . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } : لكي تعرفوا نعمته ومنته . قال الشيخ - رحمه الله - : وقد يكون : { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } في حادث الأوقات ؛ لتكونوا فيها مهتدين كما اهتديتم ؛ فيكون في ذلك وعد التوفيق والبشارة ، والله أعلم .