Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-120)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } : اختلف فيه : قيل : نهى الله المؤمنين أن يستخدلوا المنافقين ، أو يؤاخوهم ، أو يتولوهم دون المؤمنين . وقيل في حرف حفصة : " لا تتخذوا بطانة من دون أنفسكم " ، يعني : من دون المؤمنين . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " نهى الله المؤمنين أن يتخذوا اليهود [ والنصارى ] والمنافقين - بطانة دون إخوانهم من المؤمنين ، فيحدثونهم ويفشوا إليهم سرّهم دون المؤمنين " . والبطانة : قيل : هم الإخوان ، ويجعلونهم موضع إفشاء سرّهم . قال الشيخ - رحمه الله - : والنهي عن اتخاذ الكافر بطانة لوجهين : أحدهما : العرف به ؛ إذ كل يعرف بمن يصحبه . والثاني : الميل إليه بما يريه عدوه أنه حسن العشرة وحسن الصحبة ، مع ما فيه الإسقاط عما به يستعان على أمر الدين ، والإغفال عن حقه . وقوله : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } : يقولون : لا يتركون عهدهم في إفشاء أمركم . وقوله : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } : أي : يودون ويتمنون ما أثمتم . قال الشيخ - رحمه الله - : أي : ودوا أن تشاركوهم في أشياء تؤثمكم ويبعثكم عليه . وقيل : العنت : الضيق ؛ أي : ذلك قصدهم ؛ كالآية التي تتلوها . وقوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } : من قال : إن أول الآية في المنافقين يقول : قوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } ما ذكر في آية أخرى : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [ محمد : 30 ] أنهم كانوا يعرفون المنافق من لحن كلامه . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } : ما كان من التفريق بقوله : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، وإظهار السرور بنكبتهم ، كقوله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ … } الآية [ النساء : 72 ] . وقوله : { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } : وذلك أنهم كانوا يظهرون الموافقة لهم ، ويضمرون العداوة والخلاف لهم ، والسعي في هلاكهم فما كانوا يضمرون أكثر ما [ كانوا ] يظهرون . ومن قال بأن الآية في الكفار - فهو ظاهر . وقوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } : من الشتيمة والعداوة ، ويضمرون أكثر من ذلك من الفساد والشرور ، والله أعلم . وقوله : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون } : يحتمل قوله : { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون } البينات ، ويحتمل قوله : إن كنتم تنتفعون بعقولكم ؛ لأن - عز وجل - ذكر في غير أي من القرآن أنهم لا يعقلون ، قد كان لهم عقول لكنهم لم ينتفعوا بعقولهم ، فإذا لم ينتفعوا نفي عنهم العقل رأساً . وقوله : { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } : من قال : إن أول الآية في المنافقين فهذا يدل له ويشهد ؛ لأنه قال : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا … } الآية . يقول : ها أنتم يا هؤلاء المسلمون تحبونهم - يعني : المنافقين - ولا يحبونكم على دينكم . قال الشيخ - رحمه الله - : وفي الآية بيان أن أولئك قوم يحبهم المؤمنون ، إمّا بظاهر الإيمان أو بظاهر الحال ، منهم من طلب مودتهم ، فأطلع الله المؤمنين على سرّهم ؛ لئلا يغترُّوا بظاهرهم ، وليكون حجة لهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أطلعه الله على ما أسرّوا ، والله أعلم . ومن قال : إن أوّل الآية في الكفار - يجعل قوله : { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } على الابتداء ، والقطع من الأوّل ؛ لأنه وصفهم بصفة المنافقين ، ووسمهم بسمتهم وليس في الأول ذلك . وقوله : { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } . هو على التمثيل ، يقال عند شدة الغضب : فلان يعض أنامله على فلان ، وذلك إذا بلغ الغضب غايته . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } : إنما كان يغيظهم ما كان للمسلمين من السعة ، والنصر ، والتكثر ، والعز ، فيكون في ذلك دعاء لهم بتمام ذلك ، حتى لا يروا فيهم الغير ، والله أعلم . وفي حرف حفصة : " قل موتوا بغيظكم لن تضرونا شيئاً إن الله عليم بذات الصدور " على الوعيد . وقوله : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } . قال : ليس هذا وصف المنافقين في الظاهر ؛ لأنهم كانوا يطمئنون عند الخيرات ، لكنّه يحتمل أنهم كانوا يطمئنون بخيرات تكون لهم لا للمؤمنين : { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } ذكر في القصة أنهم إذا رأوا للمسلمين الظفر على عدوهم الغنيمة - يسوءهم ذلك ، وإذا رأوا القتل والهزيمة عليهم - يفرحون به ويسرّون . وقيل : إذا رأوا للمؤمنين الخصب والسعة - ساءهم ، وإذا رأوا لهم القحط والجدب وغلاء السعر - فرحوا به ، لكن هذا يحتمل في كل خير رأوا لهم - اهتموا لذلك ، وفي كل مصيبة ونكبة رأوا لهم - فرحوا بها . وقوله : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } . وعد النصر بشرط : { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } ، أخبر أن المؤمنين إذا اتقوا وصبروا لا يضرهم كيدهم شيئاً ، حتى يعلم أن ما يصيب المؤمنين إنما يصيب بما كسبت أيديهم . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } على الوعيد .