Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-122)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } . قوله : { تُبَوِّىءُ } : قيل : تهيئ للمؤمنين أمكنة القتال . وقيل : { تُبَوِّىءُ } : تنزل المؤمنين . وقيل : { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : تتخذ للمؤمنين مقاعد لقتال المشركين . وقيل : { تُبَوِّىءُ } : توطن . وقيل : تستعد للقتال . كله يرجع إلى واحد . ثم اختلف في اي حرب كان ، وأي يوم ؟ قال أكثر أهل التفسير : كان ذلك يوم أحد . وقيل : إنه كان يوم الخندق . وقيل : كان يوم الأحزاب ؛ فلا يعلم ذلك إلا بخبر يصح أنه كان يوم كذا ، لكن في ذلك أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ، ويختارون لهم المقاعد ، وعليهم تعاهد إخوانهم ، ودفع الخلل والضياع عنهم ما احتمل وسعهم ، وعليهم طاعة الأئمة ، وقبول الإشارة من الإمام ، وذلك في قوله تعالى : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] ذكر مقاعد القتال في هذه الآية ، لكن الذي لزم من ذلك في آية أخرى - ذكر الصف بقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] ، وذكر في آية آخرى الثبات بقوله - عز وجل - : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأنفال : 45 ] والأصل أنهم أمروا بالثبات ، فالأحسن أن يختار لهم أمكنة لهم بها معونة على الثبات ، والله أعلم ، فيحتمل أن يكون أراد بالمقاعد القعود ، وذلك أثبت للقتال وأدفع للعدو ، وفيما ذكر الصف ذكر للجملة عليه بقوله - عز وجل - : { إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } [ الأنفال : 15 - 16 ] فيه رخصة الحملة على العدو ، وباجتهاد إن كان فيها تولى الأدبار . ويحتمل أن يكون أراد بالمقاعد : الأماكن والمواطن للقتال والحرب ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . يحتمل : سميع لمقالتكم ؛ عليم بسرائركم . ويحتمل : سميع بذكركم الله والدعاء له ؛ لأنهم أمروا بالذكر لله ، والثبات للعدوّ بقوله - عز وجل - : { فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأنفال : 45 ] ، وعليم بثوابكم . ويحتمل قوله : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } : البشارة من الله - عز وجل - بالنصر لهم ، والأمن من ضرر يلحقهم ؛ كقوله - تعالى - لموسى وهارون : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } ثم قال - عز وجل - : { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 44 - 46 ] أمَّنهما من عدوهما بقوله - عز وجل - : { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } ، فعلى ذلك يحتمل ذا في قوله - عز وجل - : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، ويكون سميع : أي : أسمع دعاءكم ؛ بمعنى : أجيب ، وأعلم ما به نصركم وظفركم ، والله أعلم . وقوله : { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } : قوله : { هَمَّتْ } : يحتمل : أن همُّوا هَمَّ خطر . ويحتمل : أن همّوا همّ عَزْم ، وكذلك هذا التأويل في قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } [ يوسف : 24 ] همت هي هَمَّ عزم ، وهمَّ هو بها همَّ خطر ، وهَمُّ الخطر يقع من غير صنع من صاحبه ، وهمُّ العزم يكون بالعزيمة والقصد . وقوله : { هَمَّتْ … أَن تَفْشَلاَ } والفشل ليس مما ينهي عنه ؛ لأنه يقع من غير فعله ، لكنه - والله أعلم - همّوا أن يفعلوا فعل القتل والجبن وذكر في القصة أن الطائفتين : إحداهما كانت من بني كذا ، والأخرى من بني كذا ، فلا يجب أن يذكر إلا أن يقروا هم بذلك . وقيل : إنهم كانوا أقروا بذلك ، وقالوا : نحن كنا فعلنا ، وما نحب ألا يكون في قوله : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } ظهر لنا ولاية الله ، ولو لم يكن لم يظهر . وقوله : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } . قد ذكرنا هذا في غير موضع : أن " الولي " : قيل : هو الناصر ، وقيل : هو الحافظ ، وقيل : إنه أولى بهم . وقوله : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . قال الشيخ - رحمه الله - : المؤمن من يعلم - علم اليقين - أن من نصره الله لا يغلبه شيء ، ومن يخذله الله لا ينصره شيء . حق على المؤمنين ألا يتوكلوا ولا يثنوا إلا على الله ، عز وجل . قال الشيخ - رحمه الله - : فتوكل : أي اعتمد على ما وعد ، واجتهد في الوفاء بما عهده ، وفوض كل أمره إلى الله ؛ إذ علم أنه - بكليته - لله ، وإليه مرجعه ، وبهذه الجملة عهد أن ينصر دينه ، ولا يولّي عدوَّه دبرَه ، والله أعلم .