Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 149-152)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ } : يحتمل الطاعة لهم : طاعة الدين ، أي : يطيعونهم في كفرهم . ويحتمل : الطاعة لهم في ترك الجهاد مع عدوهم ؛ كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً } الآية [ آل عمران : 156 ] الآية ، وقوله : { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } . قد ذكرنا ، أي : يردوكم على دينكم الأول ، وهو على التمثيل والكناية ، والله أعلم . وقوله : { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ } : أي : أولى بكم ، أو ناصركم ، أو حافظكم ، أو وليكم . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } : أي : خير من ينصر من نصره ؛ فلا يغلب ، كقوله : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] . وقوله : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } الآية : هذه بشارة من الله - عز وجل - لرسوله صلى اله عليه وسلم بالنصر له ؛ حيث أخبر أنه يلقي في قلوبهم الرعب ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ " ، وكان ما ذكر ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بعد ذلك ويقصدهم ، لا أنهم أتوه ، وكانوا قبل ذلك يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقصدونه . [ وقوله : ] { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } : أي : بالشرك ما قذف في قلوبهم من الرعب ، من غير أن كان لهم بما أشركوا حجة أو كتاب أو برهان أو عذر ؛ قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " السلطان في القرآن حجة " . وقوله : { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } : أي : مقامهم في النار . { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } : أي : النار بئس مقام الظالمين : وقوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } . أي : أنجز الله وعده ؛ حيث أخبر أنه يلقي في قلوبهم الرعب ، وقد فعل . { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } : قال أهل التفسير : إذ تضلونهم . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } : هو على التقديم والتأخير : " حتى إذا تنازعتم [ و ] فشلتم " ؛ إذ التنازع هو سبب الفشل [ والجبن ] ؛ كقوله : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } [ الأنفال : 46 ] . [ وقوله - عز وجلّ - : { وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } . قيل : في القصّة : إن نفراً من رماة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في مكان ، وألا يدعو موقفهم ، فتركوه ووقعوا في غنائمه ؛ فعوقبوا على ذلك . وقوله - عز وجل - : { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } ، ] يحتمل : ما أراكم ما تحبون من الهزيمة والغنيمة . ويحتمل : ما أراكم من النصر لكم على عدوكم ، وإنجاز الوعد لكم . وقوله : - عز وجل - { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } : روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " ما كنا نعرف [ أن ] أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا ، حتى نزل قوله : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } . وقوله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } . روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى - : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } ، يعني : هُزِمَ المسلمون ، يقول : صرفوا عن المشركين منهزمين ، بعد إذ كانوا هزموهم ، لكن لما عصوا وتركوا المركز صرفهم الله عن عدوه : { لِيَبْتَلِيَكُمْ } . أي : ذلك الصرف كان لكم من الله ابتلاء ومحنة . وقيل : كان ذلك العصيان - الذي منكم كان - من الله ابتلاء ؛ ليعلم من قد علم أنه يعصي عاصياً ، والله أعلم . ودلّ قوله - عزّ وجلّ - : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } - وإن كان الانصراف فعلهم - أن الله لفعلهم - على ما عليه فعلهم - خالقٌ ، وأن خلق الشيء ليس هو ذلك الشيء ؛ إذ ذلك الشيء إذا كان انصرافاً عن العدو معصيّة ، وقد تبرأ الله - تعالى - عن أن تضاف إليه المعاصي ، وقد أضاف انصرافهم إلى فعله وهو الصرف - ثبت أنه غير فعلهم ، والله أعلم . { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } : يحتمل وجهين : يحتمل : { عَفَا عَنْكُمْ } ؛ حيث لم يستأصلكم بالقتل . ويحتمل : { عَفَا عَنْكُمْ } ؛ حيث قبل رجوعكم وتوبتكم عن العصيان . وهذه الآية قوله - عز وجل - : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ } ، وقوله : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 140 ] - ترد على المعتزلة ؛ [ وكذلك ] قوله - تعالى - : { لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } [ آل عمران : 154 ] [ إلى آخر ] الآية ؛ لأنهم يقولون : هم الذين صرفوا أنفسهم لا الله ، وهم الذين كتبوا عليهم القتل لا الله ، وهم الذين يداولون لا الله ، وقد أضاف - عز وجل - ذلك إلى نفسه ؛ فعلى ذلك لا يضيف إليه إلا عن فعل وصنع له فيه ؛ ولأنهم يقولون : لا يفعل إلا الأصلح لهم في الدين ، فأيّ صلاح كان لهم في صرفه إياهم عن عدوهم ؟ ! وأيّ صلاح لهم فيما كتب عليهم القتل ؟ ! فدل أن الله قد يفعل بعباده ما ليس ذلك بأصلح لهم في الدّين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } : بالعفو عنهم ، وقبول التوبة ؛ حيث عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا أمره ، وعلى قول المعتزلة عليه أن يفعل ذلك ؛ فعلى قولهم ليس هو بذي فضل على أحد ، نعوذ بالله من السرف في القول . قال الشيخ - رحمه الله - : الفائدة في تخصيص المؤمنين بالامتنان عليهم دون جملة من بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ومنهم ، مع ما ذكر منته بالبعث من أنفسهم ، وقد بيّنا وجه المنة في البعث من جوهر البشر - وجهان : أحدهما : أن من لم يؤمن به لم يكن عرف نعمة من الله - تعالى - وإن كان - في الحقيقة - نعمة منه لهم ، ورحمة لهم وللعالمين ، فخص من عرفة ليشكروا بما ذكرهم ؛ وهو كقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ يس : 11 ] ، أي : هم يقبلون ويعرفون حق الإنذار . والثاني : أنه صار لهم حجة على جميع الأعداء : أنهم لا يطيعون لمعنى كان منهم ، إلاّ وللمؤمنين عليهم وجه دفع ذلك بما كان عليه ما عرفوه به قبل الرسالة ؛ لما فيه لزوم القول بصدقة ؛ فيكون ذلك منة لهم وسروراً ونعمة عظيمة ؛ فأستأداهم الله لشكرها ، ولا قوة إلا بالله .