Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-148)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } : قيل : فيه لغات : أحدها : " قاتل معه " بالألف ، وتأويله : وكم من نبي قاتل معه ربّيون كثير ، فقتل ؛ على الإضمار . والثاني : " وكم من نبيّ قُتِل معه ربّيون كثير " ، برفع القاف . والثالث : " وكم من نبيّ قتل معه ربيون كثير " بالنصب . ومعنى الآية - والله أعلم - : كم من نبي قتل معه [ ربيون كثير ] ، فلم ينقلب أتباعه على أعقابهم ؛ بل كانوا بعد وفاتهم أشدّ اتباعاً لهم من حال حياتهم ؛ حتى قالوا : لن يبعث الله من بعده رسولا ؛ فما بالكم يخطر ببالكم الانقلاب على أعقابكم ، إذا أخبرتم أنه قتل نبيكم أو مات ؟ ! . وفي إنباء هذه الأمة قصصَ الأمم الخالية وأخبارهم - وجهان . أحدهما : دلالة إثبات رسالة [ رسولنا ] محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم علموا أنه لم يختلف إلى أحد منهم ممن يعلم هذا ، ثم أخبر بذلك ، فكان ما أخبر ؛ فدل أنه علم ذلك بالله . والثاني : العمل بشرائعهم وسننهم ، إلا ما ظهر نسخة بشريعتنا ؛ ألا ترى أنه ذكر محاسنهم وخيراتهم ؛ وإنما ذكر لنتبعهم في ذلك ونقتدي بهم ، وذكر مساوئهم وما لحقهم بها ؛ لننتهي عنها ونكون على حذر مما أصابهم بذلك ، والله أعلم . وقوله : { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } : اختلف فيه - عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " علم كثير " ، وعنه - أيضاً - : " الجموع الكثير " ؟ وعن الحسن - رحمه الله - مثله . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الألوف . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، يقول : قاتل ؛ ألا ترى أنه يقول : { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } ؟ ! . ثم اختلف في قوله : { فَمَا وَهَنُواْ } ، { وَمَا ضَعُفُواْ } . قيل : فما وهنوا في الدين ، وما ضعفوا في أنفسهم في قتال عدوهم بذهاب النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم ؛ فما بالكم تضعفون أنتم ؟ ! ويحتمل قوله : { فَمَا وَهَنُواْ } ، يعني : فما عجزوا لما نزل بهم من قتل أنبيائهم ، وما ضعفوا في شيء أصابهم في سبيل الله من البلايا . وقيل : قوله - عز وجل - : { فَمَا وَهَنُواْ } يرجع إلى : { قَاتَلَ } إلى المقاتلين وفي " قتل " إلى الباقين . وقوله : { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } : قيل : لم يذلّوا في عدو لهم ، ولم يخضعوا لقتل نبيهم ؛ بل قاتلوا بعده على ما قاتلوا معه ؛ فهلا قاتلتم أنتم على ما قاتل عليه نبيكم ؛ كما قاتلت القرون من قبلكم إذا أصيب أنبياؤهم ، والله أعلم . { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } : على قتال عدوّهم ، وعلى كل مصيبة تصيبهم . وقوله : { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا } : قيل : وما كان قول الأمم السالفة عند قتل نبيهم - إلا أن قالوا : { ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } الآية ، يقول : يعلِّمُ الله هذه الأمة ويعاتبهم : هلاّ قلتم أنتم حين نُعِي إليكم نبيكم كما قالوا القوم في الأمم السالفة ؟ ! . وقوله : { ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } ، قيل : الذنوب : هي المعاصي . وقوله : { وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا } : والإسراف : هي المجاوزة في الحدّ ، والتعدّي عن أمره . وقيل : هما واحد . وقوله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } . يحتمل وجهين : يحتمل : ثبتنا على الإيمان ، ودين الإسلام ، والقدمُ كناية ؛ كقوله : { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } [ النحل : 94 ] ، أي : تكفر بعد الإيمان ، [ و ] كقوله : { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } ؛ وذكر القدم لما بالقدم ثبت . ويحتمل قوله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } في قتال العدوَّ ، وفزعوا إلى الله - عز وجلّ - بعد ذهاب نبيّهم من بينهم ؛ ليحفظهم على ما كان يحفظهم في حياة نبيهم . وقوله : { وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } : يحتمل : النصر عليهم بالحجج والبراهين . ويحتمل : النصر بالغلبة والهزيمة عليهم . وقوله : { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } : يحتمل ثواب الدنيا : الذكر والثناء الحسن ، وهم كذلك اليوم نتبعهم ونقتدي آثارهم وهم موتى . ويحتمل - : على ما قيل - : النصر والغنمية . وقوله : { وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } : الدائم ، وذُكِر في ثواب الآخرة " الحُسْن " ، ولم يذكر في ثواب الدنيا الحسن ؛ لأن ثواب الآخرة دائم لا يزول أبداً ، وثواب الدنيا قد يزول ، أو أن يشوب في ثواب الدنيا آفاتٌ وأحزان ؛ فينقص ذلك ، وليس ثواب الآخرة كذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } الإحسان يحتمل وجوهاً ثلاثة : يحتمل : المحسن : العارف ، كما يقال : فلان يحسن ولا يحسن . ويحتمل : المعروف من الفعل - مما ليس عليه - يصنع إلى آخر ؛ تفضلاً منه وإحساناً . ويحتمل : اختيار الحسن من الفعل على القبيح من الفعل والسوء ؛ وكان كقوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] : هذا يختار المحاسن من الأفعال على المساوئ ، والله أعلم . ويحتمل : المحسنين إلى أنفسهم باستعمالها فيما به نجاتها .