Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 169-171)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } : قيل فيه بوجوه : قيل : إن المنافقين قالوا للذين قتلوا بأُحُدٍ وببَدْرٍ : إنهم ماتوا ؛ فأنزل الله - عز وجل - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بأحد وبدر { أَمْوَاتاً } كسائر الموتى ؛ بل هم أحياء عند ربهم . وقيل : قالوا : إن من قتل لا يحيا أبداً ولا يبعث ؛ فقال - عز وجل - : بل يحيون ويبعثون كما يحيا ويبعث غيرهم من الموتى . وقيل : إن العرب كانت تسمي الميت : مَنْ انقطع ذكره إذا مات ولم يذكر ، أي : لم يَبْقَ له أحد يُذْكر به ؛ فقالوا : إذا قتل هؤلاء ماتوا ، أي : لا يذكرون ؛ فأخبر الله - عز وجل - أنهم مذكورون في الملأ : ملأ الملائكة ، وملأ البشر ، وهو الظاهر المعروف في الخلق أن الشهداء مذكورون عندهم . وقيل : قوله - عز وجل - : { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي : يُجْرِي أعمالهم بعد قتلهم ، كما كان يُجْري في حال حياتهم ، فهم كالأحياء فيما يجري لهم ثواب أعمالهم وجزائهم ، ليسوا بأموات . وقيل : إن حياتهم حياة كلفة ؛ وذلك أنهم أمروا بإحياء أنفسهم في الآخرة ؛ ففعل المؤمنون ذلك : أحيوا أنفسهم في الآخرة ؛ فسموا أحياء لذلك ، والكفار لم يحيوا أنفسهم بل أماتوها ؛ فسمى أولئك أحياء ، والكفار موتى . وقيل : سمى هؤلاء أحياء ؛ لأنهم انتفعوا بحياتهم ، وسمى الكفار أمواتاً ؛ لما لم ينتفعوا بحياتهم . ألا ترى أنه - عز وجل - سماهم مرة { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] ؛ لما لم ينتفعوا بسمعهم ولا ببصرهم ولا بلسانهم ، ولم يسم بذلك المؤمنين ؛ لما انتفعوا بذلك كله ؟ ! فعلى ذلك سمى هؤلاء أحياء ؛ لما انتفعوا بحياتهم ، وأولئك الكفرةَ موتى ؛ لما لم ينتفعوا بحياتهم ، والله أعلم . وقال الحسن : إن أرواح المؤمنين يعرضون على الجنان ، وأرواح الكفار على النار ؛ فيكون لأرواح الشهداء فضل لذة ما لا يكون لأرواح غيرهم من المؤمنين ذلك ، ويكون لأرواح آل فرعون فضل ألم وشدة ما لا يكون لأرواح غيرهم من الكفرة ذلك ؛ فاستوجبوا بفضل اللذة على غيرهم اسمَ الحياة . ألا ترى أنه قال - تعالى - : { يُرْزَقُونَ } : فيها ، { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . وقيل : إن الناس كانوا يقولون فيما بينهم : من قتل بـ " بدر " وأحد مات فلان ومات فلان ؛ فقال الله - عز وجل - : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } [ البقرة : 154 ] . وقوله - عز وجل - : { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } : روي عن مسروق ، قال : " سألت عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن هذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية ؛ قال : سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : " أَرْوَاحُهُمْ عِنْدَ اللهِ فِي حَواصِلٍ طَيْرٍ خُضْرٍ ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّها شَاءَتْ ثُمَّ تَأوِي إِلَى قَنَادِيلِهَا … " والحديث طويل . وقوله - عز وجل - : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ … } الآية : عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " تَنْزِلُ عَلَيْهِم صُحُفٌ مَكْتُوبٌ فِيْهَا مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ ؛ فَبِذَلِك يَسْتَبْشِرُون " . وقيل : " يستبشرون " لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم ؛ بما قَدِموا عليه من الكرامة والفضل والنعم ، الذي أعطاهم الله . وقيل : " يستبشرون " ، يعني : يفرحون { بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } ، يعني : من بعدهم من إخوانهم في الدنيا : رأوا قتالا ؛ استشهدوا ؛ فلحقوا . وقيل : { لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } : الذين يدخلون في الإسلام من بعدهم . والاستبشار : هو الفرح أو طلب البشارة ؛ كأنهم طلبوا البشارة لقومهم ؛ ليعلموا بكرامتهم عند الله ومنزلتهم ؛ كقول من قال : { يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [ يس : 26 - 27 ] . وقيل : إن الحياة على ضربين : حياة الطبيعي ، وحياة العَرَضِيّ ، وكذلك الموت على وجهين : موت الطبيعي ، وموت العرضي ، ثم حياة العرضي على وجوه : أحدها : حياة الدِّين والطاعة ؛ كقوله - عز وجل - : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [ الأنعام : 122 ] . وحياة العلم والبصيرة واليقظة ، يسمي العالِم حيّاً ، والجاهل ميتاً . وحياة الزينة والشرف ، على ما سمى الله - تعالى - الأرض ميتة في حال يبوستها ، وحية : في حال خروج النبات منها بقوله - عز وجل - : { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا } [ فصلت : 39 ] . وحياة الذكر واللذة ؛ فجائز أن يكون الله - تعالى - لما أخبر أنهم أحياء عند ربهم أن يكون لهم حياة من أحد الوجوه التي ذكرنا . حياة ذكر ولذة ، أو حياة زينة وشرف ، أو حياة العلم لهم بأهل الدنيا على ما كان لهم قبل ذلك ، أو حياة دين وعبادة ، أو يُجري عليهم أعمالهم على ما كان لهم قبل الشهادة ، وإن كانت أجسادهم في الحقيقة ميتة في أحكام الدنيا عند أهل الدّنيا ، وهذا يقوي قولنا في المرتد : إنه أذا لحق بدار الحرب يحكم في نفسه وماله بحكم الموتى في قسمة المواريث ، وقضاء الديون وغيرها ، وإن كان هو في الحقيقة حيّاً على ما حكم في أموال الشهداء وأنفسهم بحكم الموتى في حكم الدنيا ؛ لما لا يعودون إلى الدنيا ، وإن كانوا عند ربّهم أحياء ؛ فعلى ذلك يحكم في نفس المرتد وأمواله بحكم الموتى ؛ لما لا يعود إلى دارنا ، وإن كان هو في الحقيقة حيّاً عند الله لما جاز أن يكون حيّاً عند الله ، ميتاً عندنا ، وجاز أن يكون ميتاً عندنا حيّاً عند الله ، والله أعلم . وحياة الطبيعي : هو حياة جوهر ، وما به يقوم النفس ، وموت الطبيعي هو هلاكه ، وفوته [ والله أعلم ] . وموت العرضي : هو جهله ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } : يحتمل { بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } أي : بدين من الله ؛ كقوله - تعالى - : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] ، وقيل : بدينه ، ويحتمل : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } : الجنة ، { وَفَضْلٍ } : زيادات لهم وكرامات من الله ، عز وجل . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : أي : لا يضيع من حسناتهم وخيراتهم وإن قل وصغر ؛ كقوله - عز وجل - : { نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } [ الأحقاف : 16 ] [ وكقوله - عز وجل - ] : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ، كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ … } [ النساء : 40 ] الآية .