Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 172-175)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } : قيل : أجابوا الله - عز وجل - والرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما دعاهم إليه ، وأطاعوا فيما أمرهم به من بعد ما أصابهم القرح ، ، أي : الجراحة . قيل : دعاهم إلى بدر الصغرى بعد ما أصابهم بأحد القروح والجراحات ؛ فأجابوه ، فذلك قوله - تعالى - : { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ … } الآية . وقوله - عز وجل - : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ } : في الإجابة له بعدما أصابتهم الجراحة ، وشهدوا القتال معه . { وَٱتَّقَواْ } : الخلاف له ، وترك الإجابة ، ويحتمل : اتقوا النار وعقوبته . { أَجْرٌ عَظِيمٌ } : في الحنة وثواب جزيل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ … } الآية : قيل : إن المنافقين قالوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما انهزم كفار مكة وولوا أدبرهم : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } ، يخوفونهم ؛ حتى لا يتبعوهم على أثرهم ، فذلك عادتهم لم تزل ؛ كقوله - تعالى - : { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [ التوبة : 47 ] أي : فساداً . وقيل : إنه إنما قال ذلك لهم رجل يقال لهم : نعيم بن مسعود ، ولا ندري كيف كانت القصة ؟ . وقوله - عز وجل - : { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } : لما وجدوا الأمر على ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد لهم ، لا على ما قال أولئك ؛ فزادهم ذلك إيماناً ، أي : تصديقاً . زادهم : قيل : جراءة وقوة وصلابة على ما كانوا من قبل في الحرب والقتال ، ويحتمل : زادهم ذلك في أيمانهم قوة وصلابة وتصديقاً . وقيل : قوله - عز وجل - : { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } ، أي : تصديقاً ويقيناً بجرأتهم على عدوهم ، ويقينهم بربهم ، واستجابتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم . فإن قال قائل : ما معنى قوله - سبحانه وتعالى - : { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } على أثر قوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } ، وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان ، وليس كقوله - عز وجل - : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [ الأنفال : 2 ] ؛ لأنها حجج ، والحجج تزيد التصديق ، أو تحدث ، أو تدعوا إلى الثبات على ذلك ؛ فيزيد الإيمان ؛ فقولهم : اخشوهم ، كيف يزيد ؟ قيل : يخرج ذلك - والله أعلم - على وجوه : أحدها : أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق ، وأنهم يخوفون بذلك ، وقد كان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنيعهم ، فكذبوهم بذلك ، وأقبلوا نحو أمر رسول الله صلى الله عليه سلم إجابة لأمره ؛ وتصديقاً بوعده ، ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم ؛ فكان ذلك منهم - عند ذلك - زائداً في إيمانهم مع ما في تكذيبهم ؛ ذلك نحو قوله - عز وجل : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ … } [ التوبة : 125 ] الآية : إنه إذا زاد بتكذيب آيات الله رجساً ؛ فمثله تكذيب المكذب بالآيات ؛ لذلك يزيد إيماناً ، والله أعلم . والثاني : أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بتفرق أعداء الله ، وتشتت أمرهم ، وأخبرهم المنافقون بالاجتماع ؛ فصاروا إلى ما نعتهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فوجدوا الأمر على ما قال [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، وذلك من أنباء الغيب ، [ والإنباء عن الغيب ] من أعظم آيات النبوة ؛ فزادهم ذلك إيماناً ، والله أعلم ، وذلك ، قوله - عز وجل - : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ … } الآية . والثالث : لم لما يغتروا بقول المنافقين ، ولا قصدوا لذلك ، ولا ضعفوا ؛ فأنزل الله - تعالى - سكينته على قلوبهم ؛ ليزيد لهم بذلك إيماناً ؛ كقوله - تعالى - : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ … } الآية [ الفتح : 4 ] ، وبالله التوفيق . ثم معنى زيادة الإيمان بتخرج على وجوه : أحدها : بحق الابتداء في حادث الوقت ؛ إذ له حكم التجدد في حق الأفعال بما هو للكفر به تارك ؛ وعلى ذلك قوله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية [ النساء : 136 ] ، فيكون ذلك بحق الزيادة على ما مضى ، وإن كان بحق التجدد في حق الحادث والفرد . والثاني : أن يكون له الثبات عليه ؛ إذ حجج الشيء توجب لزومه ، والدوام عليه ؛ فسمى ذلك زيادة . ويحتمل : أن يكون يزداد له في أمره بصيرة ، وعلى ما رغب فيه إقبالاً ، ولحوقه مراعاة ؛ فيكون في ذلك زيادة في قوته أو في نوره ، أو بزينته وتمامه ، وذلك أمر معروف . ويحتمل : أن يكون ذلك داع إلى محافظة حقوق ، والتمسك بأدلته ، والوفاء بشرائطه ؛ فيزيد ذلك فضله ؛ كما عدت صلاة واحدة في التحقيق ألفاً ؛ بما في ذلك من حفظ الحقوق ومراعاتها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } : فزعوا إلى الله - تعالى - بما رأوا من صدق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وظهور كذب قول المنافقين : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ … } الآية ، أو قالوا ذلك عند قول المنافقين إياهم : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } ؛ فوضوا أمرهم [ إلى الله تعالى ] ، وسلموا لما رأوا النصر منه ؛ رضاء منهم بكل ما يصيبهم ، كقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] : مدحهم الله - عز وجل - بما رأوا أنفسهم لله ؛ فكذلك هذا . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } . أي : ذو منّ عظيم ، يدفع المشركين عن المؤمنين . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } . يحتمل النعمة : [ نعمة الدين ] ، على ما ذكرنا . وقيل : انقبلوا بنصر من الله والغنيمة ، ويحتمل : النعمة من الله : الأمن من العدو ؛ لأن المنافقين كانوا يخوفونهم بقولهم : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } ، ويحتمل : النعمة : الجنة ، وفضلَ الزيادة على ذلك . وقيل : انصرفوا بأجر من الله وفضل ، وهو ما تشوقوا به من الشوق : { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } ولا قتل ، ولا هزيمة . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } أي : اتبعوا العمل الذي به رضوان الله ، ورضاء رسوله صلى الله عليه وسلم . وقيلأ : اتبعوا طاعته ورضاه . ويحتمل قوله : { بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } : الزيادة في الإيمان ، وهو الصلابة والقوة فيه . وقوله : { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } : مما كانوا يخوفونهم بقوله : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } . ويحتمل قوله - تعالى - : { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي : رجعوا بمحمد ، صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } يخوف أولياءه وأعداءه ، لكن أعداءه لا يخافونه ، وأولياؤه يخافونه ؛ كقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] : ومن لم يتبع ، لكن من اتبع الذكر كان يقبل إنذاره ، ومن لم يتبع الذكر لا ؛ وإلا [ فإنه ] كان ينذر الفريقين جميعاً ؛ فعلى ذلك الشيطان كان يخوف أولياءه وأعداءه جميعاً ، لكن أعداءه لا يخافونه ، وأولياءه يخافونه . ويحتمل قوله : { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } ، أي : بأوليائه ، وجائز هذا في الكلام ؛ كقوله : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [ الشورى : 7 ] ، أي : بيوم الجمع ؛ ألا ترى أنه قال : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } [ الأنعام : 121 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } ، أي : بأوليائه ، والله أعلم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : يخفوكم أولياءه ، وهذا يؤيد تأويل من يتأول : يخوف بأوليائه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي : لا تخافوه لمخالفتكم إياه ، { وَخَافُونِ } ، أي : خافوا مخالفتكم أمري ؛ كقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [ النحل : 99 - 100 ] أخبر أنْ ليس له سلطان على الذين آمنوا ؛ إنما سلطانه على الذين يتولونه ؛ لذلك قال : لا تخافوه ؛ لما ليس له عليكم سلطان ، وخافون ؛ لما [ لي ] عليكم سلطان ، وبالله العصمة .