Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 180-182)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : [ { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ } أوتوا العلم بالكتاب أن ما يؤتون من المال ، وينالون من النيل بكتمان بعث محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وتحريفهما - أن ذلك ] خير لهم . { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } في الدنيا والآخرة ، ولو لم يكتموا كان خيراً لهم في الدنيا ذكراً وشرفاً ، وفي الآخرة ثواباً وجزاء . وقيل : نزلت في مانعي الزكاة ؛ بخلاً منهم وشحاً ؛ فذلك وعيد لهم . والأوّل أشبه ، والله أعلم . وإن كان في الزكاة - قيل : الجحود بها ؛ كقوله - تعالى - : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ فصلت : 7 ] . وقوله - عز وجل - : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } : فإن كان على التأويل الأول من كتمان نعته وصفته ؛ فهو - والله أعلم - يطوق ذلك في عنقه يوم القيامة ؛ ليعرفه كل أحد ؛ كقوله - عز وجل : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] . وإن كان على التأويل الثاني - قيل : إن الزكاة التي منعها تصير حية ذكراً شجاعاً أقرع ذو ذنبتين ، يعني : نابين ؛ فيطوق بها في عنقه ، فتنهشه بنابيها ؛ فيتقيها بذراعيه ، حتى يقضي بين الناس ، فلا يزال معه حتى يساق إلى النار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } : في الآية دلالة أن أهل السماوات يموتون ، ليس على ما يقوله القرامطة : إنهم لا يموتون ؛ لأنه أخبر أن له ميراث السماوات والأرض ، والوارث هو الذي يخلف المورِّث ؛ دلّ أنه مما ذكرنا ، وإن كانوا هم وجميع ما في أيديهم لله - عز وجل - ملكاً له وعبيداً ؛ ألا ترى أنه روي في الخبر : " لاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ ، وَلاَ المُسْلِمُ الكَافِرَ ، إِلاَّ المَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ " سمى ما يكون للمولى من عبده ميراثاً ، وإن كان العبد وما في يده ملكاً للمولى : فعلى ذلك الأوّل : سمى الله - عز وجل - ذلك ميراثاً له ، وإن كان عبيده وما في أيديهم ملكاً له ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - : [ وقوله - تعالى ] - : { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } : وكانت له لا بحق الميراث ؛ لوجهين : أحدهما : على الإخبار عن ذهاب أهلها ، وبقائه - عز وجل - دائماً ؛ إذ ذلك وصف المواريث أن تكون لمن له البقاء بعد فناء من تقدم ، والله - عز وجل - هو الباقي بعد فناء الكل ، مما يجوز القول بما هو له في الحقيقة من قبله بالميراث ؛ من حيث مَلَّكَ غيره الانتفاع بذلك ؛ وعلى ذلك المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ ، وَلاَ المُسْلِمُ الكَافِرَ ، إِلاَّ المَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ " ، وليس ذلك في الحقيقة ميراثاً ، إذ كان له في حال حياته ؛ ولكن كان ولاية الانتفاع به فزال ؛ وعلى مثل هذا وراثة المسلمين الجنة ، لا على انتقال من غيرهم إليهم ، ولكن على بقائهم فيها ، وحصول أمرها لهم ، أو على وراثة ما لو كان من لم يؤمن آمن ، وما ادعوا أنها لهم بقولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، فاصرت ميراثاً لغيرهم ما ادعوا أنها لهم ، والله أعلم . والثاني : أن يعلم كل بالموت حقيقتها أنها له فأضيفت إليه بالميراث عنهم ؛ كما قال - تعالى - : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] ، { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ المائدة : 18 ] ، والمرجع ونحو ذلك من غير غيبة عنه ، ولكن ما يعلم كل إذ ذاك ذلك ؛ وكذلك قوله - عز وجل - : { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] ، وهو في الحقيقة كل يوم له ، ولا قوة إلا بالله . وفي الذكر والإخبار أنها له ميراث - تحريض على الإنفاق والتزود ؛ إذ هي في الحقيقة لغير أهلها ؛ وإنما لهم ما ينفقون ويتزودون دون ما يمسكون ، وفيه منع الإمساك ؛ وذلك كقوله - تعالى - : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية [ الحديد : 10 ] . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } : وعيد منه - عزَّ وجلَّ - إياهم . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } : قيل : لما نزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } الآية [ البقرة : 245 ] ، قالت اليهود : ربكم يستقرض منكم ونحن أغنياء . وليس في الآية بيان أن ذلك القول إنما قاله اليهود أو غيرهم من الكفرة ، ولكن فيه أنهم قالوا ذلك ؛ فلا ندري من قال ذلك ، ولا يجوز أن يشار إلى أحد بعينه إلا ببيان ، ثم يحتمل ذلك القول منهم وجوهاً : يحتمل أن يكون قال ذلك أوائلهم ؛ على ما قال في قتل الأنبياء - عليهم السلام - وهؤلاء لم يَقْتُلُوا ؛ ولكن إنما قتلهم أوائلهم ، أضيف ذلك إليهم ؛ رضاء منهم بصنيعهم ؛ فعلى ذلك القول الذي قالوا يحتمل ما ذكرنا . ويحتمل أن يكون هؤلاء قالوا ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمشهدهم ، أو قالوا ذلك في سر . فإن قال ذلك أوائلهم ؛ فإنه يحتمل وجهين : يحتمل أن يكون الله - تعالى - أعلم ذلك رسولَهُ صلى الله عليه وسلم ؛ تصبيراً منه إياه وتسكيناً ؛ ليصبر على أذى الكفار ؛ حيث قالوا في الله ما قالوا فكيف فيه ؟ ! [ والله أعلم ويحتمل أن يكون ذلك ليكون [ ذلك ] آية من أيات رسالته . وإن كانوا قالوا ذلك بحضرة أصحابه صلى الله عليه وسلم ؛ ففيه - أيضاً - وجهان : أحدهما : ما ذكرنا من التسكين والتصبير على أذاهم . والثاني : ليعلموا أن جميع ما يقولون محفوظ عليهم ؛ ليس بغائب عنه ، ولا غافل عنه ؛ كقوله - تعالى - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ … } الآية [ إبراهيم : 42 ] ، لكنه يؤخر ذلك إلى وقت . وإن كانوا قالوا ذلك سرّاً ؛ ففيه - أيضاً - وجهان : أحدهما : ما ذكرنا أن يكون آية من آيات النبوة ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله ، على علم منهم أنه لم يكن فيما بينهم من يُنْهِي الخبرَ إليه . والثاني : خرج على التعزية له والتصبير على أذاهم . ثم معنى قوله - تعالى - { وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ المزمل : 20 ] ، و { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] - يحتمل وجهين : أحدهما : لئلا يمنوا على الفقراء بما يتصدقون عليهم ؛ إذ يعلمون أنه ليس بفقير ولا محتاج ليستقرض لفقره ولحاجته ، وكل من أقرض آخر لا لحاجة له في ذلك القرض ولا فقر ؛ ولكن ليكون ماله عنده محفوظاً في الشاهد - فإنه لا يَمُنّ المُقْرِضُ عليه ؛ بل تكون المنة للذي عنده القرض على المُقْرِض ؛ حيث يحفظ ماله في السفاتج ؛ فعلى ذلك المال الذي يقرضون ويتصدقون على الفقراء ، يكون محفوظاً عند الله ليوم حاجتهم إليه ؛ فلا منة تكون على الفقير ، والله أعلم . والثاني : إنباء عن جوده وكرمه ؛ لأن العبد وما في ديه له ، فلو أراد أن يأخذ جميع ما في يده لكان له ذلك ، ثم يطلب منه ببدل يضاعف على ذلك . والثالث : أن المولى في الشاهد إذا طلب [ من عبده ] القرض ؛ يكون في ذلك شرف للعبد وعظم ؛ فعلى ذلك الله - تعالى - إذا طلب من عبده القرض ، على علم منه في أنه غني بذاته ، لا يجب أن يبخل عليه ، وفي ذلك شرفه وعظمه ، والله أعلم . وقوله : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ } ، قال أهل التفسير : قالت اليهود ، وذلك تنبيه بصنيعهم وشدة سفههم ؛ حتى زعموا أن يد الله مغلولة ، لكن ليس في الآية بيان القائلين ، ولا في النسبة إلى أحد تقع سوى خوف الكذب ؛ لو لم يكن ذلك منه ، لكنهم قالوه ، والأغلب على مثله أن يكونوا قالوه سرّاً ، يكون في إظهاره آية الرسالة ، أو كانت الأوائل يقولون فيكون في ذلك ذلك ؛ إذ لا يحتمل أن يُصْبَرَ لمثله : يقال بحضرة الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - إلا أن يكون في وقت أمروا بالكف ؛ فيكون في ذلك بيان قدر طاعتهم لله ، مع عظيم ما سمعوا من القول ، وجملة ذلك أن في ذكر ذلك دعاء إلى الصبر على أذاهم وسوء قولهم ؛ إذ هم مع تقلبهم في نعم الله - تعالى - وعلمهم بأنهم لم ينالوا خيراً إلا بالله - تعالى - أجترءوا عليه بمثل هذا القول ، وبلغ عُتُوُّهُم هذا ، والله - جل ثناؤه - مع قدرته وسلطانه يَحْلُمُ عنهم ليومٍ وعدهم فيه الجزاء ؛ فمن ليس منه إليهم نعمة ولا تقدم عليهم منه كثير منة - أحق بالصبر لأذاهم ، وإعراض عن مكافأتهم ؛ وعلى ذلك قوله - تعالى - : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ … } الآية [ الجاثية : 14 ] ، وقال [ الله تعالى لرسوله ] صلى الله عليه وسلم : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ المائدة : 13 ] . وقوله - عز وجل : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } : قيل : سنجزيهم جزاء ما قالوا ، وقيل : سنحفظ ما قالوا ، وسنثبت ، وسألزم ، كقوله - عز وجل - : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ، والله أعلم . وقوله : { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } : قد ذكرنا هذا فيما تقدم أنه يحتمل : إذ قتل أوائِلُهم ؛ فأضيف إليهم لرضائهم بفعلهم ؛ كقوله - تعالى - { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ المائدة : 32 ] ؛ لرضاه بقتله . فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } ، والأنبياء - عليهم السلام - لا يرتكبون ما يجب به قتلُهم ؛ كقوله - تعالى - : { ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ … } الآية [ الأحزاب : 57 ] ، أطلق القول فيه من غير ذكر اكتساب شيء يستوجب به ذلك ، وشرط في المؤمنين اكتساب ما يستوجبون به ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ … } الآية [ الأحزاب : 58 ] ، فكيف ذكر ههنا - القتل بغير حق ، وهم لا يكتسبون [ ما ] يستوجبون به القتل ؟ ! قيل : يحتمل قوله : بغير حق ، أي : بغير حاجة ؛ لأنهم كانوا يقتلون بلا منفعة تكون لهم في قتلهم ؛ على ما قيل : إنهم كانوا يقتلون كذا كذا نبيّاً ، ثم يهيج لهم سوق ؛ فإذا كان كذلك يحتمل قوله : { بِغَيْرِ حَقٍّ } ، أي : بغير حاجة ؛ كقول لوط - عليه السلام - : { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } فقالوا : { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } [ هود : 78 - 79 ] ، أي : من حاجة ، والله أعلم . ويحتمل قوله - عز وجل - : { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ } ، أي : قصدوا قصد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكأنْ قد قتلوه ، أو قتلوا أصحابه - رضي الله عنهم - فأضيف إليهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } : أي : المُحْرِق ، وقد ذكرنا هذا . وقوله : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } : ذكر الأيدي ؛ لما بالأيدي يقدم ، وإن لم يكن هذا مقدماً باليد في الحقيقة ؛ وكذلك { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] لما باليد يكتسب ، والله أعلم .