Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-7)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { الۤمۤ * ٱللَّهُ } . قال بعضهم : تفسيره ما وصل به من قوله : { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [ البقرة : 1 - 2 ] : هو تفسير { الۤـمۤ } ، و { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } : تفسير { الۤـمۤ } ، و { الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 1 - 2 ] ، وجميع ما وصل به الحروف المقطعة فهو تفسيرها ، ولله أن يسمي نفسه بما شاء : سمى نفسه مجيداً ؛ كقوله : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } [ البروج : 15 ] ، وسمىّ القرآن مجيداً ؛ كقوله : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } [ البروج : 21 ] . وقال بعضهم : الحروف المقطعة هي مفتاح السورة . وقال آخرون : إن كل حرف منها اسم من أسماء الله تعالى . ومنهم من يقول بأنها من المتشابه التي لا يوقف عليها . ومنهم من يقول : هو على التشبيب ؛ إذ من عادة العرب ذلك ، وقد مضى الكلام فيه في قوله : { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [ البقرة : 1 - 2 ] بما يكفي . وقوله : { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } : هو الحيُّ بذاته ، وكل حيٍّ سواه حيُّ بحياة هي غيره ، فإذا كان هو حيّاً بذاته لم يوصف بالتغاير والزوال ، ولما كان كل حيٍّ سواه حيّاً بغيره احتمل التغاير والزوال ؛ وكأن الحياة عبارة يوصف بها مَنْ عَظُمَ شَأْنُهُ ، وشَرُفَ أمره عند الخلق . ألا ترى أن الله - تعالى - وصف الأرض بالحياة عند نباتِها ؛ لما يعظم قدرها ويشرف منزلتها عند الخلق عند النبات ؟ ! وكذلك سمى المؤمن حيّاً ؛ لعلوّ قدره عند الناس ، والكافر ميتاً ؛ لدون منزلته عند الناس ؛ فكذلك الله - سبحانه - سمى [ نفسه ] حيّاً ؛ لعظمته وجلاله وكبريائه ؛ وعلى هذا يخرج قوله في الشهداء ؛ حيث قال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } [ البقرة : 154 ] ، أي : مكرمون معظمون مشرفون عند ربّهم . وقوله : { ٱلْقَيُّومُ } ، قال بعضهم : هو القائم على كل نفس بما كسبت . وقال آخرون : القيوم : الحافظ . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " هو الحيّ القيام " وكله يرجع إلى واحد : القائم . والقيوم ، والقيام ، يقال : فلان قائم على أمر فلان ، أي : يحفظه حتى لا يغيب عنه من أمره شيء . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " إنَّ اسمَ اللهَ الأَعْظَمَ هَوَ : الحيُّ القَيُّومُ " . وقوله : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ } . ظاهر . { بِٱلْحَقِّ } قيل فيه بوجوه : يحتمل بالحق ، أي : دعاء الخلق إلى الحق ، ويحتمل بالحق ، أي : هو الحق نفسه حجة مجعولة ، وآية معجزة ، أيس العرب عن أن يعارضوه أو يأتوا بمثله ، وتحقق عند كُلٍّ أنهُ من عند الله ، إلا من أعرض عنه ، وكابر وعاند . وقيل : بالحق ، أي : بالصِّدق والعدل . وقيل : بالحق الذي لله عليهم ، وما يكون لبعضهم [ على بعض ] . ثم قال : { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } . أي : موافقاً لما قبله من الكتب السماوية ، وهي غير مختلفة ولا متفارتة ، وفيه دلالة نبوة [ سيدنا ] محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر أنه موافق لتلك الكتب غير مخالف لها ، ولو كان على خلاف ذلك لتكلفوا إظهار موضع الخلاف ؛ فإذا لم يفعلوا ذلك دل أنهم عرفوا أنه من الله ، وأن محمداً رسوله ، لكنهم كابروا وعاندوا . وقوله : { وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } . من بعد . وقال بعضهم : { هُدًى لِّلنَّاسِ } . أي : بياناً لهم ، وحجَّة لمن اهتدى ، وحجة على من عمي ؛ إذ لا يحتمل أن يكون له هدى ، وعليه حجة فيه الهلاك ؛ إنما يكون حجة له وهدى إذا اهتدى ، وعليه إن ترك الاهتداء ؛ فبان أنه يخالف ما يقوله المعتزلة . وقوله : { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } : قد ذكرنا فيما تقدم أنه سمّي فرقاناً ؛ لوجهين : أحدهما : لما فرق آياته وفرق إنزاله . والثاني : لما يفرِّق بين الحق والباطل ، وبين الحرام والحلال ، وبين ما يتقى ويؤتى ؛ فعلى هذا كل كتاب مبيّن فيه الحلال والحرام ، وبُيِّن ما يتقى ويؤتى . والإنجيل فيه سمي إنجيلاً ؛ لما يجلي ، وهو الإظهار في اللُّغة . وَقِيل : سمّى التوراة تَوْراة من أوريت الزند ؛ وهو كذلك . والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ … } : قيل : بحجج الله . وقيل : كفروا بآيات الله ، أي : بالله ؛ لأنهم إذا كفروا بآياته كفروا به ، وكذلك الكفر بدينه كفر به ، والبراءة من دينه براءة منه ، والبراءة من رسول الله براءة منه . وقوله : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } . قيل فيه بوجهين : قيل : ذو انتقام لأوليائه من أعدائِه . وقيل : ذو انتقام : ذو انتصار على الأعداء . وقيل : ذو بطش شديد . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } . هو وعيد ؛ كأنه - والله أعلم - قال : لا يخفى عليه ما في السماوات ، و [ وما في ] الأرض من الأمور المستورة الخفية على الخلق ؛ فكيف يخفى عليه أعمالكم وأفعالكم ، التي هي ظاهرة عندكم ؟ ! ويحتمل : إذا لم يخف عليه ما بطن ، وخفي في الأصلاب والضمائر والأرحام ؛ فكيف يخفى عليه أفعالكم وأقوالكم ، وهي ظاهرة ؟ ! . ألا ترى أنه قال : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ } ؛ إذ علم ما في الأرحام وصوَّرها على ما شاء وكيف شاء . وهم { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } [ الزمر : 6 ] . وقوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } فيه دليل نقض قول من يقول بالقائف ؛ لأنه جعل علم التصور في الأرحام لنفسه ، لم يجعل لغيره ، كيف عرف بالقائف تصوير الأوَّل ، حتى قال الله : إنه على صورته وعلى تصويره ، وإنه من مائة ، ثم اختلف في خلق الأشياء : قال بعضهم بخلق الفروع من الأصول ، وهن أسباب للفروع . وقال آخرون : يكون بأسباب وبغير أسباب ، فإن كان بعض الأشياء يكون بأسباب ؛ من نحو الإنسان من النطفة ، إلا أن النطفة تتلف ؛ فتكون علقة ، ثم مضغة ؛ فدل أنه يخلق الخلق كيف شاء من شيء ولا من شيء ، بسبب وبغير سبب ، وهو القادر على ذلك ، وبالله التوفيق . وقوله : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } اختلف فيه : فقيل : المحكمات : هن النَّاسخات المعمولات بهن ، والمتشبهات : هن المنسوخات غير معمول بهن ، وهو قول ابن عباس [ رضي الله عنه ] . وقال آخرون : المحكمات : هن ثلاثة آيات في [ آخر ] سورة الأنعام : قوله : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ … } [ الأنعام : 151 ] إلى قوله : { … تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 153 ] ، وما ذكر في سورة " بني إسرائيل " من قوله : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] إلى آخر هذه الآيات ، سميت محكمة ؛ لأن فيها توحيداً وإيماناً بالله وغيره من المتشابه . ثم قيل بعد هذا بوجوه : قيل : المحكمات : هي التي يعرفها كل أحد إذا نظر فيها ، وتأمَّل فيها . والمتشابه : هو المبهم الذي يعرف عند البحث فيه والطلب . وقيل : المحكمات : ما يوقف ويفهم مراده . والمتشابه : هو الذي لا يوقف [ عليه ] ألبتة ، بعد ما قضى حوائج الخلق من البيان في المحكم منه ، ولكن يلزم الإيمان به ، وهو من الله محنة على عباده ، ولله أن يمتحن خلقه بما شاء من أنواع المحن ؛ لأنها دار محنة . وغيرها لا يفهم مرادها . ويحتمل أن يكون المحكمات : هن ما ظهر لكل أحد من أهل الإسلام ؛ حتى لم يختلفوا فيها . والمتشابه : هو الذي اشبته على الناس ؛ لاختلاف الألسن فاختلفوا فيها ، ولما يؤدي ظاهره إلى غير ما يؤدي باطنه ؛ فتعلق بعضهم بالظاهر فقالوا به ، وتعلق آخرون بالباطن ؛ لما رأوا ظاهره جوراً وظلماً أو تشبيهاً ، على اتفاقهم على نفي الجور والظلم عنه ، ويجوز لمن يوقف على المتشابه بمعرفة المحكم . وقال آخرون : المحكم : هو الواضح المبين ، فلو كان على ما قالوا لم يكن لاختلاف الناس فيه ، وادعاء كل أنَّ الذي هو عليه هو المحكم ؛ لأنه لو كان ظاهراً مبيّناً لتمسّكوا بهن ولم يقع بينهم اختلاف . وفيه دليل ونقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون بالأصلح في الدين : أنه لا يفعل إلا ذلك ، ثم لم يبين لهم المحكم من غير المحكم ، ولو بين كان أصلح لهم في الدين ؛ فدل أن الله - عز وجل - قد يجوز أن يفعل بهم ما ليس بأصلح لهم في الدين ؛ امتحاناً وابتلاءً منه لهم ، والله أعلم . لكن لا يخرج من الحكمة ، ثم ما قالوه في الأمر حق ؛ لأنه لا يأمر إلا أن يفعل بهم ما لهم فيه الأصلح ، وقد يفعل ما هو حكمة في حق المحنة وإن كان غير ذلك أصلح لهم في الدّين ، بمعنى : أقرب وأدعى إليه ، والله الموفق . وَقال قوم : المحكم : ما في العقل بيانه . والمتشابه : ما لا يدرك في العقل ؛ وإنما يعرف بمعونة السمع . وقال قوم : لا متشابه فيما فيه أحكام من أمر ونهي وحلال وحرام ؛ وإنما ذلك فيما ليس بالناس حاجة إلى العلم به ، نحو : الإنباء عن منتهى الملك ، وعن عدد الملوك ، وعن الإحاطة بحقيقة الموعود ، ونحو ذلك . ولا قوة إلا بالله . لكن يمكن أن يكون سمي متشابهاً ؛ بما تشابه على أولئك القوم حقيقة ما راموا من الوجه الذي طلبوا . وقد بيَّنا الحق في أمر المتشابه ، وما يجب في ذلك من القول ، وبالله العصمة والنجاة . وقوله : { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } : يحتمل وجهين : يحتمل أم الكتاب ، أي : أصل الكتاب . ويحتمل أم الكتاب ، أي : المتقدم على غيرها ؛ وعلى هذا يُخَرِّجُ : { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } [ الأنعام : 92 ، الشورى : 7 ] ، أعني : مكة ؛ لأنها هي المتقدمة على غيرها من القرى ، ويحتمل هي أصل القرى ؛ كما سمى " فاتحة الكتاب " : " أم القرآن " ؛ لأنها أصل ؛ أو لأنها هي المتقدمة على غيرها من السور ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } ، أي : مقصود الكتاب ، يعني : المحكمات ، والمتشابهات مما فيه شبه من غيره ؛ فيتشابه ؛ فهو متشابه ؛ كقولهم : { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } [ البقرة : 70 ] ؛ وكذلك المشكل سمي مشكلاً ؛ لما يدخل فيه شكل من غيره فسمي مشكلاً ؛ فكذلك المتشابه يدخل فيه شبه غيره ؛ فصار متشابهاً ، والله أعلم . وقوله [ عز وجل ] : { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } . قيل : ميل عن الحق . وقيل : الزيغ : هو الريب والشك . { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } ولو كان ثم اتباع لعذروا ؛ إذ الاتباع للشيء اتباع ما فيه من المراد ؛ وعلى هذا يقولون في قوله : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } [ البقرة : 121 ] : أي يتبعونه حق اتباعه ، وكذلك قوله : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] . والمتشابه قد أنزل إلينا من ربنا ؛ فيحمد متبعه في الحقيقة ؛ فثبت أنه لم يكن ثم اتباع في الحقيقة ، وأنه لو كان لعذروا ، ولكنه كان - والله أعلم - اتباع الآراء في التأويل بالآراء الفاسدة ؛ ألا ترى أنهم طلبوا بالتأويل منتهى ملك هذه الأمَّة ؟ ! وفي الوقوف عليه وقوف على علم الساعة وسبب القيامة ، وذلك علم ما لم يُطْلِع اللهُ الرسلَ على ذلك ، فضلاً أن يطلع عليه غيرهم . قال الشيخ - رحمه الله - : ويحتمل أن يكون اتباعهم نظرهم فيما تقصر أفهامهم عن الإدراك في الوقوف عليه ، ولو كان نظرهم في المحكم من ذلك ، لكان لهم في ذلك بلاغ وكفاية فيما إليهم به حاجة ، ولا قوة إلا بالله . قال الشيخ - رحمه الله - : في قوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } : أي : ميل عن الحق ، وذلك همتهم ، أو كان ذلك اعتقادهم ، فإن كان المراد من ذلك في الكفرة فهو الأوّل ، وإن كان في أصحاب الهوى من الذين يدينون دين الإسلام - فهو الثاني ؛ وكذلك نجد كل ذي مذهب في الدِّين - ممَّن اعتقد حقيقة الأمر في قوله : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] ، وقوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] الآية ، وقوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ … } [ النمل : 76 ] الآية - يتعلق بظاهر الآية ؛ يدعي أنها محكمة بما عنده أنه الحق ، بعد أن أجهد نفسه في طلب الحق ، ويسوي غير ذلك عليه ، فإن كان على ذلك فحقه التسليم لما عليه توارث الأمة ظاهراً ؛ على ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن تفرق الأمة ، ثم أشار إلى التمسُّك بما عليه هو وأصحابه [ - رضي الله عنهم - ] فعلى ذلك أمر المتوارث ؛ فيجب جعله محكماً وبياناً [ لما ] اختلف عليه ، ولا قوة إلا بالله . ويكوت المتبدع في ابتغاء تأويله ؛ يريد التلبيس على من لزم تلك الجملة ، وكذلك لأهل جمل في الدِّين مرفوع عليه ، كذا التنازع وترك الاشتغال بتأويل ما اعترضه ، لكان متبع المحكم عند الأمة مطيعاً المتشابه ، ولا قوة إلا بالله . وإن كان هو الأوَّل فقد ذكر أن ذلك في استخراج منتهى ملك هذه الأمة ، وأن نهايته الساعة ، والعلم به لم يطلع عليه الرسل فضلاً عمن دونهم ، أو كان ذلك في أشياء تقصر عقول الضعفاء عن الإحاطة بذلك ؛ يريدون بذلك التلبيس على العوام وأهل الغباوة ؛ فأخبر - عز وجل - بما ذكر أنه لا يعلمه إلا الله كان ذلك فيما يعلمه غيره أو لا ، فإن كان أطلعه فبالله علم ، لا أن في العقول بلوغ ذلك ، ومعنى الاتباع ما قد بين . وقوله : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ، أي : من القرآن يقول ما اشتبه حسابهم . { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } . وقيل : الفتنة : الكفر ، ويحتمل " الفتنة " : المحنة ، أي : يمتحنون أهل الإسلام . وقوله : { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } . منتهى ما كتب الله - عز وجل - لهذه الأمَّة من المدّة [ لهم والوقت ] ، وأصل التأويل : هو المنتهى . قال الله - تعالى - : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } . أي : وما يعلم منتهى تلك الأمة إلاّ الله . ثم المتشابه : إن كان ما يوقف فيه فهو ، وإن كان مما يعرفه أهل المعرفة ، ويعلمه بالواضح - فهو هو ، وأصل هذا : أن كل ذي مذهب في الإسلام يدعي على خصمه بما ذهب إليه من الحجاج بالآيات - الوقوع في المتشابه ، ولنفسه - الوقوع في الواضح ، وعنده أن ما ذهب إليه هو الحق ؛ فلا فرق بين أن يدعي عليه ذهابه إلى غير الحق ، أو تعديه إلى المتشابه وترك الواضح ، فسبيل مثله الفحص والبحث عما ذهب إليه إن جاء بشيء يضطر العقل إلى قبوله سلم له ما جاء به ، وإلا فخصمه منه في دعوى مثله : بالوقوع له في المتشابه بمحل دعواه . وقوله : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } : قال قوم : موضع الوقف على قوله : { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } ، ثم ابتدأ فقال : { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } : " يقولون " ، بمعنى : قالوا ، " آمنا به " : بما عرفنا ، وذلك جائز في اللغة ؛ " يقول " بمعنى : " قال " . وقال آخرون : موضع الوقف على قوله : { إِلاَّ ٱللَّهُ } ، ثم استأنف الكلام فقال : { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } : المحكم والمتشابه وغيره . قيل : الراسخون : هم المتدارسون . وقيل : المتثابتون ؛ رسخ ، بمعنى : ثبت . وقيل : الراسخون : [ الناتجون . يقال : رسخ في العلم : نتج فيه ] . فإن قيل : ما الحكمة في إنزال المتشابه ؟ . قيل : إذا كان مما يعلم فهو يحتمل وجهين : يحتمل : ليعلم فضل العلم على غير العالم . ويحتمل : أن جعل عليهم طلب المراد فيه ، والفحص عما أودع فيه . وإن كان مما لا يعلم يحتمل المحنة ؛ امتحنهم في ذلك بالوقف فيه ؛ إذ الدار دار محنة ، ولله أن يمتحن عباده بجميع أنواع المحن , وقوله : { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } . أي : ما يتعظ إلا أولو الحجج والعقل .