Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 8-9)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } فيه وجهان على المعتزلة : أحدهما : أنه أضاف الزيغ إلى نفسه ، وهو حرف مذموم عند الخلق ، إذا قيل : فلان أزاغ فلاناً عن الحق ، فإذا أضاف الله - عز وجل - إلى نفسه حرف الزيغ ، دل أن فيه معنى سوى ظاهره ؛ حتى جاز إضافته إليه ، وهو أن خلق منهم فعل الزيغ ، وكذلك هذا في الضلال ، وأضاف - أيضاً - الهداية إلى نفسه بقوله : { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } ، فلو كان الهدى : البيان ؛ على ما يقوله المعتزلة ، لجاز أن يضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو يملك البيان ؛ لأنه بعث مبيناً معلماً ، فإذا لم يجز ذلك دلّ أن فيه معنى سوى البيان وهو التوفيق والعصمة ؛ حتى جاز إضافته إليه ، ولا يجوز إلى غيره ، والله الموفق . والثاني : أنهم سألوا العصمة عن الزيغ والضلال ، فلو كان عليه أن يفعل ، وأن يبذل لهم العصمة ، لم يكن للسؤال عن ذلك معنى ؛ فدل أنه تفضل منه ببذل ذلك لهم ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } الآية : فيه وجهان : أحدهما : أنه لو لم يكن له إلا الأصلح في الدين ؛ فتركه جور ، فالقول بـ { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } - لا يخلو من أن يكون الإزاغة أصلح له ، وهو يدعو بأن يجور أو لا يكون أصلح ، فهو يدعو بأنه لا يجوز ، ومُحَالٌ الدعاء على خوف الجور ؛ ومن خاف جور الخالق فهو غير عارف به . والثاني : أن الداعي - فيما جبل عليه الخلق - يدعو على أمر أنه لو أجابه لكان لا يزيغ قلبه ، وكذلك سؤال العصمة والهداية ؛ ولهذا يؤمر به - أيضاً - ولو كان معه زيغ ، لكان الأفضل في الأمر بين الدعاء بالإزاغة ، وأن " لا تزغ " ؛ إذا الخوف مع الأمرين قائم ، والله الموفق . وفى ذلك - أيضاً - وجهان آخران : أحدهما : أن الإزاغة إذا أضيفت إلى أحد ، خرجت مخرج الشتم له والتغيير ؛ فثبت أن فيما أضيفت إلى الله - تبارك وتعالى - معنى ليس فيما أضيفت إلى أحد آخر غيره ، وهو - والله أعلم - أن الإزاغة من كل أحد فعل هو زيغ بنفسه فيه ذمّ ، ومن الله ليست [ بذم ] ؛ فيكون فيه أن خلق فعل الزيغ ليس بزيغ ، وإن كان فعله زيغاً ، والله أعلم . وفيه أن خلق الشيء ليس هو ذلك ، والشيء ذاته يكون من الله ما يوصف بالإزاغة ، ويصير لديه الآخر زائغاً ، ولا شيء يوجد يكون كذلك سوى خلق فعل الإزاغة من العبد ، والله الموافق . والثاني : قوله : { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } : ولو لم يكن من الله في الهداية سوى البيان ، لكان يصح ذلك لكل كافر ، ويجوز الإضافة إلى الرسل ؛ فإذ لم يصح ذلك لم يجز ، وثبت أن ثم فضلاً ، وهو خلق فعل الهداية ، والتوفيق الذي معه الاهتداء لا محالة ، وبالله [ التوفيق و ] المعونة . وقوله : { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } : يحتمل وجوهاً : يحتمل الهدى والإسلام ؛ إذ به يستفاد . ويحتمل الجنة . ويحتمل أنهم سألوه كل رحمة . قال أبو بكر الأصم : الرحمة : السعة في الدنيا ، والثواب في الآخرة . وقوله : { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } : فهو - على قول المعتزلة - ليس بوهاب ؛ لأن الوهاب هو المُفْضِل الذي يهب ويبذل ما ليس عليه ، وهو - على قولهم - عليه أن يعطي الخلق كل ما هو أصلح لهم في الدين ؛ فالآية تكذبهم ، وترد عليهم قولهم الوَخْش في الله ، تعالى الله عن ذلك [ علوّاً كبيراً ] . ويحتمل : هب لنا ما يُسْتَوْجب به الرحمة ، وهو عمل الخير ؛ كقوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] . وقوله : { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } . إقرار بالإيمان والبعث بعد الموت . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } . في هذا خاصّة : يراد به القيامة والبعث . ويحتمل : لا يخلف المعياد في كل شيء ، ممّا يصيب الخلق : من الخير والشر ، والفرح والحزن والأسف ، يقولون : إنه كان بوعده ووعيده ، وإنه كان مكتوباً عليهم ولهم ، وإنه لا يكون على خلاف ما كان مكتوباً عليهم ؛ ليصبروا على الشدائد والمصائب ، فلا يجزعوا عليها ، ولا يحزنوا ، وليشركوا على الآلاء والنعماء ولا يفرحوا عليها ، وهو كقوله : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } [ الحديد : 23 ] .