Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 30-32)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } : قيل : تجد ثواب ما عملت من خير حاضراً ؛ لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل . { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } : يحتمل : ما عملت من سوء تجده مكتوباً يتجاوز عنه ؛ لأن الله - عز وجلّ - وعد المؤمنين ، وأطمع لهم قبول حسناتهم ، والتجاوز عن سيئاتهم ؛ كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] ؛ فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضراً ، ويتجاوز عن مساوئه . وأمّا الكافر : فيجد عقاب ما عمل من سوء في الدنيا ؛ كقوله : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [ الكهف : 49 ] فلا يتجاوز عنهم ، ويبطل خيراتهم . وقوله : { أَمَدَاً بَعِيداً } : قيل : بعيداً من حيث لا يرى . وقيل : بعيداً تودّ : ليت أن لم يكن ، وما من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا ودّوا البعد عن ذنبه ، وأنه لم يكن . { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } : قد ذكرناه . وقوله : { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } : إن أراد رأفة الآخرة - يعني بالمؤمنين خاصّة ، وإن أراد رأفة الدينا - فهو بالكل . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } : فالرحمة من الله - جلّ ثناؤه - والرأفة نوعان : أحَدهما : في حق الابتداء ، أن خلق خلقاً ركب فيهم ما يميزون بين مختلف الأمور ، ويجمعون بين المؤتلف ، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة ؛ بل رحم وأمهل للتوبة والرجوع إليه ، وهذه الرحمة رحمة عامة لا يخلو عنها عبد . ورحمة في حق الجزاء ؛ من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل ، فهذه لا ينالها أعداؤه ؛ لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق ؛ ولما يكون وضع الإحسان في غير أهله ، والإكرام لمن لا يصرف الكرم به ؛ ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفاً وزجراً عما يختارون ، وينالها من تقرب واعتقد الموالاة ، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذَّات الدارين ، وإن كانوا يبلون بالمعاصي على الجهالة ، أو على رجاء الرحمة والعفو ؛ إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه ، وبالغلبة ، والله أعلم ، فهي رحمة خاصّة ، أي : هي بالمؤمنين ، وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودة بحق الاختيار ، وإن كان يغلبون على ذلك في أحوال ، والله الموفق . وقوله : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } قيل : إن ناساً كانوا يقولون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا نحبُّ الله حبّاً شديداً ؛ فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية ، وبين فيها لمحبته علماً . وقيل : إنّ اليهود لما قالوا : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ؛ فأنزل الله - تبارك وتعالى - " قل يا محمد : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } وذلك أنّ من أَحبّ ملكاً من الملوك يحبّ رسوله ، ويتبعه في أمره ، ويؤثر طاعته لحبّه ، فإذا أظهرتم أنتم بغضكم لرسولي ، وتركتم اتباعه في أمره ، وإيثار طاعته - ظهر أنكم تكذبون في مقالتكم : نحن أبناء الله وأحبَّاؤه ؛ لأن من أحبَّ آخر يحب المتصلين به ورسله وحشمه ، والمحبّة - ههنا - : الإيثار بالفعل طاعة من يحبّه فيما أحبّه وكرهه ، والطاعة له في جميع أمره ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ … } الآية : قد تقدم ذكرها .