Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 33-37)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ } : اختلف فيه ؛ قيل : { ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً } ومن ذكر لرسالته ولنبوته . وقيل : اختارهم لدينه ، وهو الإسلام . وقيل : اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص لله . قال الشيخ - رحمه الله - : الاصطفاء : أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا ، وغيرهم اختيارهم لأمرين : لأمر الآخرة ، ولأمر المعاش ؛ ألا ترى إلى قوله : " إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ ؛ نَمُوتُ مَوْتَ العَبْدِ لِسَيِّدِه " . وقال الشيخ [ رحمه الله ] أيضاً في قوله : إن الله اصطفى من ذكر : فهو - والله أعلم - ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ، ثم أعداءه وأهل الشقاء ؛ ترغيباً فيما استوجبوا الصفوة ؛ وتحذيراً عما به صاروا أهل الشقاء ؛ إذ هما أمران يتولّدان عن اختيار البشر ، ويقومان بأسبابهما أهل المحن ، لا بنفس الخلقة والجوهر ؛ فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت ؛ وعلى [ ذلك وجه ذكر ] عواقب الفريقين في الدنيا ، وما إليه يصير أمرهم في المعاد ؛ وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيباً وترهيباً ؛ وعلى هذا جميع أمور الدنيا ، أنها كلها عبر ومواعظ ، وإن كان فيها شهوات ولذات ، وآلام وأوجاع ؛ ليعلم أنها خلقت لا لها لكن لأمر عظيم ، كان ذلك هو المقصود من مدبر العلم [ أن ] بالعواقب يذم أهل الاختبار ويحمدون ؛ فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ؛ ترغيباً فيها ، وعواقب السفهاء وأهل الإساءة دميمة وجيفة ؛ تزهيداً فيها ؛ فخرج جميع فعل الله على الحكمة والإحسان ، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة ؛ لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء ، وفي ابتداء المحنة ، إلا أن المحنة تكون مختلفة ، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان ؛ إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمه وإحسان ؛ أعني : بالإحسان فيما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى ، والحكمة فيما كان لازماً ذلك في التدبير ، ولا قوة إلا بالله . وقوله : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } : قيل : بعضها من بعض في النسب من ذرية آدم ، ثم من ذرية نوح ، ثم من ذرية إبراهيم ، عليهم السلام . وقيل : بعضهم من ذرية بعض . وقيل : بعضهم من جوهر بعض ؛ فلا تتكبروا ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } [ النساء : 25 ] منع الحرّ عن التعظيم على العبد . واختلف في الذرية : قال بعضهم : " الذرية " : الأولاد والآباء ؛ كقوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] ، وكانوا الأولاد والآباء ، والذريّة مأخوذة ، وهو الخلقة . وقيل : " الذرية " : الأولاد خاصّة ، يقال : ذرية فلان ، إنما يراد ، أولاده خاصّة ؛ دليله قوله : { هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] . وقوله : { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } . واختلف في الآل ؛ قيل : آل الرجل : المتصلون به . وقيل : آل الرجل : أتباعه . وقيل : أقرباؤه . وروى [ أن النبي ] صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ تَقِيٍّ فَهُوَ مِنْ آلِي " . وقيل : إن عمران من ولد سليمان بن داود . وقوله : { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } . لما أخبر - عز وجل - أنه اصطفى آل عمران واختارهم على سائر العالمين ، وكان أقل ما في صفوته واختياره أن جعلت امرأة عمران ما في بطنها محرّراً . " والمحرّر " : هو العتيق عن المعاش بالعبادة . وقيل : " المحرّر " هو الذي يعبد الله - تعالى - خالصاً مطيعاً ، لا يشغله شيء عن عبادته ، فارغاً لذلك ، وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه . وقيل : " المحرر " هو الذي يكون لله صافياً ؟ وقيل : " المحرر " هو مَنْ خَدَمَ المسجد . وقوله : { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } . جعلت ما في بطنها لله خالصاً ، لم تطلب منه الاستئناس به ، ولا ما يطمع الناس من أولادهم ، وذلك من الصفوة التي ذكر - عز وجل - وهكذا الواجب على كل أحد أنه إذا طلب ولداً أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريّا ، حيث ، قال : { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] ، وما سأل إبراهيم - عليه السلام - : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] ، وكقوله : { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا … } الآية [ الفرقان : 74 ] هكذا الواجب أن يطلب الولد لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم . وقوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . أي : تقبل مني قرباني ، ومنا جعلت لك خالصاً ، إنك أنت السميع لنذري ، العليم بقصدي في التحرير . وقيل : { ٱلسَّمِيعُ } : المجيب لدعائي ، { ٱلْعَلِيمُ } بنيتي . وقوله : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } . ومعنى قولها : { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } - مع علمها أن الله عالم بما في بطنها وبما وضعتها - وجهان : أحدهما : اعتذاراً لما لم يكن يُحَرَّر في ذلك الزمان إلى الذكور من الأولاد ؛ فاعتذرت : إني ما وضعت لا يصلح للوجه الذي جعلت . والثاني : أن الإنسان إذا رأى شيئاً عجيبا قد ينطق بذلك ، وإن كان يعلم أن غيره علم ما علم هو ، وأنه رأى مثل ما رأى هو . أو يحتمل أن طلبت ردّها إلى منافعها إذا وضعت الأنثى ؛ لما رأت الأنثى لا تصلح لذلك . ويحتمل قولها : { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } : التعريض لإجابة الله - تعالى - لها فيما قصدت من طاعته بالنذور إن لم تكن صلحت لما قصدت ، وقد أجيبت في ذلك بقوله : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } نحو ما يتقبل لو كان ذكراً في الاختيار والإكرام ، وجعلها خير نساء العالمين . وقوله : { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } . اختلف فيه : إن ذلك قولها ، قالت : { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } على إثر قولها : { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } ؛ لما تحتاج الأنثى إلى فضل حفظ وتعاهد ، والقيام بأسبابها ما لا يحتاج الذكر . وقيل : إن ذلك قول قاله - عز وجل - لما قالت : { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } ، جواباً لها ، { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } فيما قصدت ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } . فيه دليل [ على ] أن تسمية الأولاد إلى الأمهات في الإناث دون الآباء ، ثم التجأت إلى الله تعالى ، حيث أعاذتها به - وذرّيتَها - من الشيطان الرجيم . وفيه دلالة أن الذكور يكونون من ذرّية الإناث ؛ لأنه لم يكن منها إلا عيسى ، عليه السلام . وقوله : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } . يحتمل قوله : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } : أن أعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم على ما سألت . ويحتمل أن جعلها تصلح للتحرير ولما جعلت ، وإن كانت أنثى . وقوله : { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } . يحتمل - أيضاً - نباتاً حسناً ؛ أن لم يجعل للشيطان إليها سبيلاً . ويحتمل أن ربّاها تربية حسنة ؛ أن لم يجعل رزقها وكفايتها بيد أحد من الخلق ؛ بل هو الذي يتولى ذلك لما يبعث إليها من ألوان الرزق ، كقوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } ، وكقوله : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [ مريم : 25 ] . وقوله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . فيه لغتان : إحداهما : بالتخفيف ، والأخرى : بالتشديد ؛ فمن قرأ بالتخفيف ؛ فمعناه ضمّها زكريّا إلى نفسه ، ومن قرأ بالتشديد ؛ فمعناه : أن الله - عز وجل - ضمّها إلى زكريا . وقوله : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } . قيل : وجد عندنا فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف - قال زكريا : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } . قيل : فيه بوجهين : قيل : استخبار عن موضعه ، أو كيف لك هذا ، على الاستيصاف ؛ إنكاراً عليها واتهاماً ؛ لما لا يدخل عليها غيره ، ولا يقوم بكفايتها سواه ، فوقع في قلبه أن أحداً من البشر يأتيها بذلك . وقيل : إنه قال ذلك ؛ تعجباً منه لذلك لما رأى من الفاكهة والطعام في غير حينه غير متغير ؛ فقال : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } ؛ تعجباً منه لذلك . ثم قالت : { هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . أي : يرزق من حيث لا يحستب .