Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 55-60)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } . قال بعض أهل التأويل : يقسم المجرمون : إنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة ، وكذلك يقولون : في قوله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } الآية [ المؤمنون : 112 - 113 ] . لكن الأشبه أن يكون قوله : { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } : الدنيا في المحنة ، لا في القبور ، استقصروا مقامهم في الدنيا ؛ تكذيباً لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي أنواع الكفر ؛ يقولون : إنا لبثنا في الدنيا وقتا لا يكون منا في مثل ذلك الوقت وتلك المدة الزلل والمعاصي ؛ ألا ترى أنهم قد كذبوا في إنكارهم طول المقام فيها ؛ حيث قال : { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } ، أي : كذلك كانوا يكذبون في الدنيا أن لا بعث ولا حياة بعد الموت ولا حساب ، ولولا هذا التكذيب لهم على أثر قولهم : { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } ، وإلا كان الظاهر أنهم قد استقصروا المقام في الدنيا ؛ لطول المقام في الآخرة وشدة العذاب في ذلك وهوله ، لكنه - والله أعلم - ما ذكرنا أنهم يقسمون : إنهم ما لبثوا غير ساعة في الدنيا ؛ إنكارا وجحوداً لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي ، يقولون : إنا لم نلبث في الدنيا إلا ساعة ، فكيف عملنا فيها هذا الزلل وأنواع الشرك والكفر ؛ فأخبر أنهم { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } ، أي : كذلك كانوا يكذبون في الدنيا ويقسمون ؛ حيث قال : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] فذلك القسم منهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذب وإنكار للمقام ، كما كذبوا وأنكروا الشرك ؛ حيث قالوا { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } . اختلف فيه : قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه : قال الذين أوتوا العلم في كتاب الله ، أي : أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان به : لقد لبثتم إلى يوم البعث فهذا يوم البعث . وقال بعضهم : قال الذين أوتوا العلم والإيمان : لقد لبثتم في علم الله في الدنيا إلى يوم البعث ، فهذا يوم البعث . وبعضهم يقول : وقال الذين أوتوا العلم والإيمان : لقد لبثتم فيما كتب الله لكم من الآجال إلى انقضاء آجالكم وفنائها . وقوله : { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } الذي كنتم تنكرونه وتكذبونه . { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على حقيقة نفي العلم عنهم ، لكنهم لا يعذرون لجهلهم بذلك ؛ لما أعطوا أسباب العلم لو تفكروا وتأملوا لعلموا . والثاني : على نفي الانتفاع بعلمهم ؛ على ما نُفي عنهم حواس كانت لهم ؛ لما لم ينتفعوا بها ؛ فعلى ذلك جائز نفي العلم عنهم بذلك لما لم ينتفعوا بما علموا ، والله أعلم . وقوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } . ليس على أن يكون لهم عذر فلا ينفعهم ذلك ، ولكن لا عذر لهم ألبتة . أو أن يكون معذرتهم ما ذكروا : { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } فذلك معذرتهم ؛ فلا ينفعهم ذلك ؛ لأنهم كذبة في ذلك . وقوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } . الاستعتاب : هو الاسترجاع عما كانوا فيه ، فهم لا يطلب منهم الرجوع عما كانوا عليه في ذلك الوقت ، والعتاب في الشاهد : أن يعاتب ؛ ليترك ما هو عليه ويرجع عما كان منه فيما مضى ، وذلك لا ينفع للكفرة في ذلك اليوم ، والله أعلم . وقوله : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } . أي : رأوا ذلك الزرع والنبات مصفرا ، أي : يابساً ؛ لما أصابه من الريح والبرد . { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } . قيل : لأقاموا ، وقيل : لصاروا ، وقيل : لمالوا ، وكله يرجع إلى معنى واحد ، وهو ما تقدم ذكره من القنوط ، أي : يقنطون وييئسون من رحمته ، ويكفرون رب هذه النعم . وفي حرف ابن مسعود : { إنك لا تسمع الموتى إنك لا تبعث الموتى } . وقوله : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } . جائز أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للكفار خاصة ، يقول : قد بينا لهم ما يعظهم ويزجرهم عما هم فيه ، ويدعوهم إلى الإيمان والتوحيد ، لكنهم اعتقدوا العناد والمكابرة . وقوله : { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } . أي : لو جئتهم بالآية التي سألوك - أيضاً - فلا يصدقوك ولا يقبلوا الهدى ، ويقولون ما ذكر : { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } . ويشبه أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للفريقين جميعاً للمؤمن والكافر ، ويكون التأويل - والله أعلم - : ولقد ضربنا وبينا للناس لأفعالهم وأحوالهم من القبيح والحسن مثلا وشبها ما يعرفون به قبح كل قبيح ، وحسن كل حسن ، وما بين لهم الحق من الباطل ، والعدل من الجور ؛ لأن أولئك الكفرة لم يعتبروا ولم يتأملوا ، ثم رجع إلى وصف أولئك الكفرة ، فقال : { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } ، أي : بزيادة في البيان ، والوضوح ، { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } ، والله أعلم . وقوله : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . قد ذكرنا في غير موضع أن قوله : { لاَ يَعْلَمُونَ } يخرج على وجهين : أحدهما : لم يعلموا ؛ لما لم يتأملوا ولم ينظروا في أسباب العلم لكي يعلموا ، ولا عذر لهم في جهلهم ذلك ؛ لما أعطوا أسباب العلم ، لكنهم لم يستعملوها فمنهم جاء ذلك ؛ فلم يعذروا . والثاني : نفى عنهم العلم على وجوده لهم وكونه ؛ لما لم ينتفعوا بما علموا ، على ما ذكرنا من نفي الحواس عنهم ، مع وجود تلك الحواس وكونها لهم ؛ لما لم ينتفعوا بها ولم يستعملوها فيما جعلت تلك وأنشئت لها ؛ فعلى ذلك العلم ، والله أعلم . وقوله : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } . قال بعضهم : فاصبر على تكذيبهم إياك بالعذاب الذي وعدت لهم ؛ إن وعد الله حق في العذاب بأنه نازل بهم . وجائز أن يكون قوله : { فَٱصْبِرْ } ؛ أي : اصبر على أذاهم الذي يؤذونك ؛ إن وعد الله حق في النصر لك والمعونة . وقوله : { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } . كأنه يقول : لا يحملنك أذاهم إياك حتى تدعو عليهم بالعذاب والهلاك . وقال بعضهم : { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } ، أي : لا يستفزوك ، ويقول : لا يستجهلنك ، وأصله ما ذكرنا : ألا يحملنك أولئك الكفرة على الخفة والعجلة والجهل ؛ حتى تدعو عليهم بإنزال العذاب والهلاك لهم ، وهو - والله أعلم - كأنه من الاستخفاف .