Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-9)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { الۤـمۤ } . قد ذكرنا تأويله في غير موضع فيما تقدم وما ذكر فيه . [ و ] قوله : { تِلْكَ آيَاتُ } . قال بعضهم : { تِلْكَ } إشارة إلى ما بشر به الرسل المتقدمة أقوامهم من بشارات ، يقول : تلك البشارة هي آيات . { ٱلْكِتَابِ } . أي : هذا القرآن . وقال بعضهم : تلك الآيات التي في السماء هذا الكتاب . ومنهم من قال : تلك الآيات التي أنزلت متفرقة ، فجمعت ؛ فصارت قرآنا ، ـ والله أعلم . وقوله : { ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } . سمى الكتاب : حكيماً كريماً مجيداً ونحوه ؛ فيحتمل تسميته : حكيماً وجوهاً : أحدها : لإحكامه وإتقانه ، أي : محكم متقن لا يبدّل ولا يغير ؛ وهو كما وضعه - عز وجل - { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] . والثاني : سماه : حكيماً ؛ لأن من تمسك به ، وعمل بما فيه يصير حكيماً مجيداً كريماً . والثالث : سماه حكيماً ؛ لأنه منزل من عند حكيم ؛ كقوله : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] . وقوله : { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } . قوله : { هُدًى } ، أي : توفيقاً وعصمة ومعونة للمحسنين ، وكذلك هو رحمة لهم في دفع العذاب عنهم . وأما ما يقول أهل التأويل : { هُدًى } ، أي : بياناً للمحسنين فهو بيان للكل ليس لبعض دون بعض ؛ فلا يحتمل الهدى البيان في هذا الموضع ؛ ولكن ما ذكرنا من المعونة والتوفيق والعصمة . والمحسن - هاهنا - جائز أن يكون المؤمن ؛ كقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } : الصبار : هو المؤمن ، والشكور : هو المؤمن ، سمى المؤمن : صبارا مرة وشكورا مرة ومحسنا مرة ؛ لأنه يعتقد بالإيمان كل ما ذكر من الصبر والشكر والإحسان وكل خير ، والله أعلم . وقوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ … } الآية . قد ذكرنا تأويله فيما تقدم في غير موضع . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } . تأويل الهدى ما ذكرنا في هذا الموضع من التوفيق والعصمة والمعونة . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . قد ذكرناه أيضاً . وقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . اختلف في قوله : { مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } . قال بعضهم : ليس على حقيقة الاشتراء نفسه ؛ ولكن على الإيثار والاختيار ؛ لأن الاشتراء هو مبادلة أخذ وإعطاء ، ولكن آثروا واختاروا الضلال مع قبحه عندهم على الهدى مع حسنه ؛ فعلى ذلك آثروا لهو الحديث واختاروه على الحق وحكمة الحديث ، واختاروا الفاني على الباقي ؛ فسماه : شراء لذلك . وقال بعضهم : هو على حقيقة الاشتراء . لكنهم اختلفوا : فمنهم من يقول : إنه على اشتراء المغنية والمغني كانوا يشترونهم ؛ ليتلهوا بهم ويلعبوا . ومنهم من قال : كان أحدهم يشتري ويكتب عن لهو الحديث وباطله من حديث الأعاجم ، فيحدث بها قريشاً ، ويقول : إن محمدا يحدثكم بأحاديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بأحاديث فارس والروم ؛ فذلك اشتراؤه لهو الحديث وإضلاله الناس عن سبيل الله فأعرضوا عن القرآن والإيمان بمحمد . { وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } . وكان إذا سمع شيئاً من القرآن اتخذها هزوا ، هكذا عادة الكفرة وأهل النفاق : كانوا يستهزئون بالقرآن وبرسول الله وأصحابه . ثم أوعدهم الوعيد الشديد ؛ حيث قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } . وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - يقولان في قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } : هو شراء المغنية والغناء ، وقد روي مرفوعاً عن أبي القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا المغنيات ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ولا خير في التجارة فيهن ، وثمنهن حرام " . وفي مثله أنزلت هذه الآية : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ … } الآية ، فإن ثبت هذا فهو تفسير لهو الحديث الذي ذكر في الآية . وقوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } . أي : أعرض متعظماً متجبراً . { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } : يحتمل قوله : { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } ، و { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } على التقرير . ويحتمل : على نفي الحقيقة . فإن كان على التقرير فهو على ترك الاستماع . وإن كان على حقيقة النفي فقد ذكر في كثير من الآي ذلك كقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] ، وذلك يحتمل وجهين - والله أعلم - ثم أوعده العذاب الشديد ؛ حيث قال : { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } . قوله : { آمَنُواْ } بجميع ما أمروا بالإيمان به ، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } بما تعبدوا من العمل بالطاعات والصالحات . { لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } . كل الجنان التي وعد للمؤمنين نعيم يتنعمون فيها خالدين فيها . { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } . أي : ما وعد للمؤمنين من جنات النعيم هو حق كائن لا محالة ، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } .