Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 10-11)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } . قال بعضهم : خلق السماوات بعمد لا ترونها . وقيل : لعل لها عمدا لكن لا ترونها . وقال بعضهم : خلقها بلا عمد ، لكن الأعجوبة فيما خلقها بعمد لا ترونها ليست بدون الأعجوبة في خلقها بلا عمد ؛ لأن رفع مثلها بعمد لا ترى أعظم في اللطف والقدرة من رفعها بلا عمد ؛ إذ العمد لو كانت مقدار الريشة أو الشعرة ترى ، فرفعها مع ثقلها وعظمها وغلظها على عمد لا ترى هو ألطف من ذلك وأعظم في الأعجوبة مما ذكرنا ، فأيهما كان ففيه دلالة ألا يجوز تقدير قوى الخلق بقوى الله - تعالى - ولا قدرة الخلق بقدرته ، ولا سلطان الخلق بسلطانه ؛ بل هو القادر على الأشياء كلها بما شاء وكيف شاء ، لا يعجزه شيء . وقوله : { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } . وقال في آية أخرى : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } [ الرعد : 3 ] ، والرواسي : هن الثوابت ، أي : أثبت الأرض بالجبال ؛ كقوله : { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [ النازعات : 32 ] ، أي : أثبتها . وقوله : { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } ، أي : لئلا تميد بكم ، ذكر الميد - وهو الميل والاضطراب - وليس من طبع الأرض الميل والاضطراب ؛ وإنما طبعها التسرب والتسفل والانحدار ؛ فلا يدرى أن كيف حالها في الابتداء ؟ وما في سريتها مما يحملها على الاضطراب والميد ؛ حتى أثبتها وأرساها بالجبال ، والله أعلم بذلك . وقوله : { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } . قال بعضهم : بث : خلق ، وقيل : بث : فرق ، وفيه أنه جعل الأرض مكاناً ومعدنا لكل أنواع الدواب الممتحن وغير الممتحن ، والمميز وغير المميز ، والسماء لم تجعل إلا لنوع من الخلق أهل العبادة . وقوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } . أي : أنبتنا فيها من كل لون يتلذذ به الناظر إليه ، كريم ينال منه كل ما أراده وتمناه ؛ إذ الكريم هو ما يطمع منه نيل كل ما عنده وأريد منه . وقال بعضهم : الكريم : الحسن ، أي : أنبتنا فيها من كل لون حسن ما يستحسنه الناظر ويتلذذ به ، على ما ذكر في آية أخرى : { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ ق : 7 ] : ما يبهج ويسر به كل ناظر إليه ، والله أعلم . وقوله : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ } . يقول : ما ذكر من خلق السماوات والأرض وما بث من الدواب ، وما أنبت من كل زوج كريم . وقوله : { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } . يذكر سفههم ، يقول : إنكم تعلمون أن ما ذكر من السماوات والأرض ، وجميع ما فيهما - هو كله خلق الله ، وأنه هو خالق ذلك كله ، وأن الأصنام التي تعبدونها من دونه لم تخلق شيئاً من ذلك ، ولا تملك خلق شيء ؛ فكيف تعبدونها من دونه ، وسميتموها : آلهة ، وصرفتم العبادة والألوهية عن الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض وما فيهما ؟ ! وإنما يستحق الألوهية والربوبية لخلقه ما ذكر ؛ فالأصنام : إذا لم يكن منها خلق ؛ فكيف سميتموها : آلهة وعبدتموها دون الله ؟ ! هذا - والله أعلم - تأويل قوله : { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } ، أي : لم يخلق ، يخبر عن سفههم وقلة معرفتهم ، وسرفهم في القول والفعل ، والله أعلم . وقوله : { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } . يحتمل : { ٱلظَّالِمُونَ } وجوهاً : أحدها : ظلموا أنفسهم ؛ حيث وضعوها في غير موضعها الذي أمرهم الله أن يضعوها ، وهو وضعهم إياها في عبادة الأصنام . أو ظالمو حدود الله التي حدّها لهم ، لم يحفظوها على تلك الحدود ؛ بل جاوزوها . أو سماهم : ظلمة ؛ لما ظلموا نعم الله ، ولم يشكروها ، والله أعلم . وقوله : { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي : في حيرة بينة ، أو هلاك بين .