Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-3)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } . جائز أن يكون ظاهر الخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو للناس عاما ؛ ألا ترى أنه قال على أثره : { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } خاطب به الجماعة ، وقد خاطب رسوله في غير آي من القرآن ، والمراد به غيره ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون هذا كذلك . ويشبه أن يكون المراد بالخطاب - أيضاً - خاصة ، لكن إن كان ما خاطب به مما يشترك فيه غيره - دخل في ذلك الخطاب وفي ذلك النهي ، وإن كان مما يتفرد به من نحو : تبليغ الرسالة إليهم ، وما تضمنته الرسل ، وإن خاف على نفسه القتل والهلاك فإن عليه ذلك لا محالة ، كقوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ … } الآية [ المائدة : 67 ] . وأما أهل التأويل فمما اختلفوا فيه : قال بعضهم : نزلت الآية ، وذلك أن نفرا من أهل مكة - أبو سفيان بن حرب ، وعكرمة ابن أبي جهل ، وأبو الأعور السلمي ، وهؤلاء - قدموا المدينة ، فدخلوا على عبد الله بن أبي رئيس المنافقين بعد قتلى أحد ، وقد أعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه ، فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات ، وندعك وربك ؛ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية : { ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } ، وفيهم نزل : { وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 48 ] . وفي بعض الروايات : قالوا ذلك - وعنده عمر بن الخطاب - فقال : " يا رسول الله ، ائذن لي في قتلهم ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني قد أعطيتهم الأمان " ، فإن كان على هذا فالنهي : عن نقض العهد والأمان . وإن كان على الأول : فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها . وبعضهم يقولون : إن أهل مكة نحو : شيبة بن ربيعة وهؤلاء قالوا له : إنا نعطيك يا محمد كذا كذا من المال ، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال ؛ فارفضنا وآلهتنا ؛ وإلا قتلك المنافقون : فلان وفلان ، عدّوا نفراً ؛ فأنزل الله - تعالى - الآية في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه ، وأمره بالتوكل على الله في ترك الاتباع لهم . وأصله ما ذكرنا : أن النهي - وإن كان له خاصة - فيما ذكر فهو - وإن كان معصوماً - فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي - بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر ؛ إذ لولا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها ، والله أعلم . وقوله : { ٱتَّقِ ٱللَّهَ } : في ترك تبليغ الرسالة إليهم ، { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } في اتباع ما دعوك إليه وطلبوا منك ، أو في غيره . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } . { عَلِيماً } بما كان ويكون منهم ، أي : على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ عليك بعثك ، لا على جهل ، { حَكِيماً } : في ذلك ، أي : بعثه إياك إليهم ، على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد ، لا يخرجه عن الحكمة ، ليس كملوك الأرض : إذا أرسل بعضهم إلى بعض رسالات وهدايا ، على علم من المرسل أن المبعوث إليه يرد الرسالة والهدية يكون سفهاً ؛ لأنهم يبعثون ويرسلون لحاجة أنفسهم ، أعني : أنفس المرسلين ، فإذا أرسلوا على علم منهم بالردّ والتكذيب كان ذلك سفهاً خارجاً عن الحكمة . فأما الله - سبحانه - إنما يرسل الرسل ويبعثهم لمنفعة أنفسهم وحاجتهم ، فعلمه بالرد والتكذيب لا يخرجه عن الحكمة . وقوله - تعالى - : { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } . هذا يحتمل الخصوص له على ما ذكرنا ، ويحتمل العموم على ما ذكرنا في آية أخرى : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] يدل على ذلك قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } : خاطب به الكل - والله أعلم - وهو ما ذكرنا أنه على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ . وقوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } . أي : اعتمد على الله في تبليغ الرسالة ، ولا تخف أذاهم . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } . أي : حافظاً يحفظك ويمنعهم عنك ، كقوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] .