Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 69-73)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } . يقول عامة أهل التأويل : إن موسى كان لا يغتسل فيما يراه أحد ؛ فقال بنو إسرائيل : إن موسى آدر ، ويروون على ذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن بني إسرائيل طعنوا نبي الله موسى بذلك ، فذهب ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على حجر ، فسعى الحجر بثوبه ؛ فجعل موسى يعدو في إثره ويقول : [ ثوبي ] حجر - أي : يا حجر ثوبي - حتى مرّ به على ملأ بني إسرائيل ؛ فعلموا أنه ليس به شيء ، فذلك قوله : { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } " ، وكان موسى يتأذى بما كانوا يطعنون ؛ فعلى ذلك رسول الله كان يتأذى ؛ إذا قالوا : زيد بن محمد ؛ فأمروا أن يدعوه لأبيه ، يقول : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 5 ] زيد بن حارثة ، لكن هذا التأويل بعيد ؛ لأن موسى كان يدعوهم إلى ستر العورة ، لا يحتمل أن يطمعوا هم منه الاغتسال معهم ، وأن يكشف عورته لهم ، أو ينظر إلى عورة أحد ، هذا وخش من القول أو يسلط حجراً ، فيذهب بثيابه حتى يراه الناس متجرداً ، والله أعلم . وقال بعضهم : آذوه ؛ لأنه كان خرج بهارون إلى بعض الجبال ؛ فمات هارون هناك ، فرجع موسى إليهم وحده ؛ فقال بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته حسداً ؛ فقال موسى : " ويلكم ، أيقتل الرجل أخاه " ؛ فآذوه ، فذلك قوله : { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } ؛ فجاءت به الملائكة فوضعته بينهم ، فقال لهم : لم يقتلني أحد ؛ إنما جاء أجلي فمت ، فذلك قوله : { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } . هذا يشبه أن يكون - وغيره - كأنه أقرب وأشبه ، وهو ما كان قوم كل رسول نسبوا رسولهم إلى الجنون مرة ، وإلى السحر ثانياً ، وأنه كذاب مفتر ، ونحوه ، على علم منهم أنه رسول الله ، ولا شك أنهم كانوا يتأذون بذلك جدّاً ؛ ولذلك قال : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } [ الصف : 5 ] : لا يحتمل أن يكون هذا في الأول ؛ لأنهم لو كانوا علموا أنه ليس به ما ذكروا - لم يؤذوه ؛ فدل أن أذاهم إياه فيما ذكرنا ، وفي أمثال ذلك ، وكذلك ما نهى قوم رسول الله من الأذى له ؛ لما نسبوه مرة إلى الجنون ، وإلى السحر ثانياً ، وإلى الافتراء والكذب على الله ثالثاً ، لا فيما ذكر أولئك . { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } . أي : مكيناً في القدر والمنزلة ، والله أعلم . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } . جائز أن يكون قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، أي : اتقوا الشرك في حادث الوقت ، { وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } ، أي : ائتوا بالتوحيد في حادث الوقت ؛ لأنه إنما خاطب به المؤمنين : { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . أي : بالتوحيد ؛ لأنه بالتوحيد تصلح الأعمال وتذكر ، وبه يغفر ما كان من الذنوب ، وبه يكون الفوز العظيم ، وبالله التوفيق . ويحتمل قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الخيانة فيما بينكم وبين الخلق ، أي : لا تخونوا الخلق . { وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } ، أي : صدقا وصوابا ؛ أي : لا تكذبوا ، ولا تقولوا فحشاً ونحوه . ويحتمل { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تعصوه ، واعملوا بالمعروف ، وانتهوا عن المنكر { وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } ، ومروا الناس ، وانهوا عن المنكر { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ … } إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } قد تكلف أهل التأويل تفسير هذه الأمانة المذكورة في الآية . قال بعضهم : هي كلمة الشهادة والتوحيد . ومنهم من قال : هي جميع الفرائض التي افترض الله على عباده . ومنهم من قال : هي الصلاة ، والصيام ، والحج ، وأمثاله ، وجميع ما أمروا به ونهوا عنه . لكن التكلف والاشتغال بالتكلم في ماهية هذه الأمانة المذكورة المعروضة على من ذكر - فضل ، لا يجب أن يتكلف تفسيرها : أنها كذا ، لأنها مبهمة ، لا تعلم إلا بالخبر الوارد عن الله - تعالى - أنها كذا ، وأن يجعل ذلك من المكتوم ، ولا يشتغل بالتفسير ، والله أعلم بذلك . ثم اختلف فيما ذكر من عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، وما ذكر من إبائها عن احتمالها والإشفاق : فقال بعضهم : قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ومن ذكر ؛ أي : خلقنا خلقة ما ذكر من السماوات والأرض والجبال خلقة لا تحتمل حمل ما ذكر من الأمانة ؛ { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } إباء خلقة ؛ أي : لم يخلق خلقتها بحيث تحتمل ذلك ، { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } أي : خلقنا خلقة الإنسان خلقة تحتمل ذلك ؛ إلى هذا يذهب بعضهم . وقال بعضهم : قوله : { عَرَضْنَا } حقيقة العرض ، إلا أنه على التخيير بين أن تقبل وتتحمل وتفي بذلك فيكون لها الثواب ، أو لا تفي فيكون لها العقاب في الآخرة ، وبين ألا تتحمل ولا تقبل ؛ فتكون كسائر الموات تفنى بفناء الدنيا : لا ثواب لها في الآخرة ولا عقاب ، وإلا لم يحتمل أن يعرض عليهن ما ذكر عرض لزوم وإيجاب ، ثم يأبين ذلك ويشفقن منها ، وقد وصفهن الله بالطاعة له والخضوع في غير آي من القرآن ؛ حيث قال : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] وقال : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ … } الآية [ الحشر : 21 ] ، وقال في آية { يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } [ الأنبياء : 79 ] وكذا ، ونحوه ، ولكن إن كان على حقيقة العرض فهو على التخيير الذي ذكرنا ، { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } ، فكان له الثواب إن قام بها ، وعليه العقاب إن لم يقم . وقال بعضهم : قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } ، أي : عرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال ، فلم يحملوها ، إلا الإنسان منهم فإنه حملها . { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } قال الحسن : ظلوماً لنفسه ، جهولا لأمر ربه . وقال بعضهم : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } ، أي : أبين أن يعصين الله وأشفقن منه ؛ أي : لم يعصوا قط { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } أي : عصى الإنسان ربه ؛ فيجعل الحمل كناية عن العصيان والوزر ، يقول : لأنه ما ذكر في القرآن الحمل إلا في الوزر والخطايا ؛ كقوله : { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ } [ العنكبوت : 12 ] ، وقوله : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] ، وقوله : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ النحل : 25 ] ، وقوله : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [ الشرح : 2 ، 3 ] ، ونحوه كثير . وقوله : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } إلى أي تأويل من هذه التأويلات التي ذكرنا صرف هذا إليه - استقام ، والله أعلم . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : { ٱلأَمَانَةَ } : العبادة : قال الله - تعالى - للسماوات والأرض والجبال : تأخذن العبادة بما فيها ، قلن : يا ربّ ، وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن ، { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } ، أي : خفن ، وعرضت على الإنسان فقبلها ، وهو قول الله لبني آدم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 27 ] أما خيانتهم الله ورسوله فمعصيتهما ، وأمّا خيانة الأمانة فتركهم ما افترض الله عليهم من العبادة . وقتادة : يقول : أما والله ما بهن معصية ، ولكن قيل لهنّ : أتحملنها وتؤدين حقها ؟ قلن : لا نطيق ذلك ، فقيل للإنسان - وهو آدم - أتحملها وتؤدي حقها ؟ قال : نعم { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } عن حقها . وفي حرف أبيّ وابن مسعود وحفصة { فَأبَيْنَ } أي : فلم يطقنها . وقال أبو معاذ : الإباء في كلام العرب على وجهين : أحدهما : هذا ، وهو العجز . والآخر : قوله : { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } [ البقرة : 34 ] أي : عصى وترك الأمر . والحسن يقول : عرضت الأمانة على السماوات وما ذكر ، فقيل لهن : أتأخذن الأمانة بما فيها ، قلن : يا رب ، وما فيها ؟ قيل لهن : إن أحسنتن جزيتن ، وإن أسأتن عوقبتن ، قلن : لا { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } لنفسه { جَهُولاً } بربه ، وهو مثل الأول . وقال بعضهم : كان ظلوماً لنفسه في ركوبه المعصية ، جهولا بعاقبة ما تحمل . والوجه فيه ما ذكرنا بدءاً أنه لا تفسّر الأمانة أنها ما هي ؟ وكيف كان ذلك العرض على من ذكر من السماوات والأرض والجبال ، وإباؤهن ، وإشفاقهن ؟ والله أعلم ما أراد بذلك . وقوله : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ … } [ على ] من ذكر ؛ أي : ليعذب من علم أنه لا يقوم بوفائها ويضيعها - أعني : الأمانة التي احتملها - وإنما ضيعها من ذكر من المنافقين والمشركين ، ويثيب من لم يضيعها وقام بوفائها ، وهم المؤمنون . قال أبو عوسجة : السداد : الاستقامة ؛ تقول : سددك الله ، وأرشدك . وقال أبو عبيدة : السديد : القصد . وكذلك قال القتبي ، والقصد كأنه العدل ، والله أعلم . وصلى الله على محمد وآله أجمعين .