Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-2)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } . قال أهل التأويل : حمد نفسه بما صنع إلى خلقه . ثم هو يخرج على وجهين : أحدهما : على التعليم لخلقه : الحمد له ، والثناء عليه ؛ لآلائه وإحسانه إلى خلقه : ما لولا تعليمه إياهم الحمد له والثناء عليه لم يعرفوا ذلك . والثاني : حمد نفسه ؛ لما لم ير في وسع الخلق القيام بغاية الحمد له والثناء عليه على آلائه وأياديه ، فتولى ذلك بنفسه ، وهو ما ذكر في قوله : { صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] ؛ فقالوا : قد عرفنا السلام عليك ؛ فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : " أن تقولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد … " آلى آخره ؛ فهذا تفويض الصلاة إلى الله والدعاء له أن يصلي هو عليه دونهم ؛ فهو - والله أعلم - كأنه لم ير فيهم وسع القيام بحقيقة الصلاة عليه ، ولا بغاية الثناء ؛ فأمرهم أن يفوضوا ذلك إليه ؛ ليكون هو القاضي لذلك عنهم ؛ فعلى ذلك الحمد لله . وأصل الحمد له : هو الثناء عليه بجميع محامده وإحسانه بأسمائه الحسنى ، والشكر له على جميع نعمائه وآلائه . وقوله : { ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . كأنه قال - والله أعلم - : الحمد لله له ملك السماوات والأرض ، وهو المستحق لذلك ، لا الأصنام التي عبدتموها وسميتموها : آلهة . وقوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } : قال بعضهم : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } ، أي : يحمد أهل الجنة إذا دخلوا الجنة ؛ كقوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } [ الأعراف : 43 ] ، وقوله : { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] ، وقوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [ فاطر : 34 ] ، ونحوه ، يحمده أولياؤه في الآخرة ؛ ويحمده أولياؤه في الأولى ؛ كقوله : { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } [ القصص : 70 ] . وجائز أن يكون قوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } ، أي : له الحمد في إنشاء الآخرة ؛ لأن إنشاء الدنيا وما فيها إنما كان حكمة بإنشاء الآخرة ، ولو لم يكن إنشاء الآخرة لكان خلق ذلك كله عبثاً باطلا ؛ فأنشأ الآخرة حتى صار إنشاء الدنيا وما فيها من الخلائق حكمة ؛ فأخبر أن له الحمد على إنشاء ما صار له إنشاء الدنيا حكمة ، والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } . قد تقدم معنى الحكيم والخبير في غير موضع ، وهو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، وهو الواضع كل شيء موضعه . والفلاسفة يقولون : الحكيم : هو الذي يجمع العلم والعمل جميعاً ، وهو ما ذكرنا . أو الحكيم ؛ لما أحكم كل شيء وأتقنه ، حتى شهد على وحدانيته ، ودلّ على إلهيته . وقوله : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } . يخبر أن الأرض مع كثافتها وغلظها لا تحجب عنه ما يدخل فيها وما يخرج منها ، وكذلك السماء مع صلابتها وشدّتها لا تحجب عنه شيئا كما يحجب عن الخلائق . أو يخبر أن كثرة ما يدخل في الأرض ويخرج منها وازدحامه ، وكثرة ما ينزل من السماء من الأمطار وما يعرج إليه من الدعوات والملائكة - لا يشغله عن العلم بالآخر ، كما يشغل الخلائق ؛ لأنه عالم بذاته لا بسبب ، والخلق عالمون بأسباب ؛ فعلمهم بسبب يشغلهم عن الأسباب الأخر ؛ فأما الله - سبحانه - يتعالى عن أن يشغله شيء ، أو يحجب عنه شيء ، { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } .