Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 28-33)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ } ، يا محمد ، { إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً } ، بالجنة لمن اتبعه ، { وَنَذِيراً } بالنار لمن خالفه وعصاه . وقوله : { كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } ، قال بعضهم ، أي : ما أرسلناك إلا جامعاً للناس إلى الهدى داعياً إليه . ومنهم [ من ] يقول : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } ، أي : ما أرسلناك إلا إلى الناس جميعاً إلى العرب والعجم ، وإلى إلإنس والجن ، ليس كسائر الأنبياء ؛ إنما أرسلوا إلى قوم دون قوم ، وإلى بلدة دون بلدة . وكذلك روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطيت أربعاً لم يعطهن نبي قبلي : أحدها ( ما ذكرنا ) : بعثت إلى الناس جميعاً عامة : إلى الأحمر والأسود ، والعرب والعجم ، والثاني : جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، وأرعب لنا عدوّنا مسيرة شهرين ، وأحلت لي الغنائم " . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . قال بعضهم : لا يصدّقون ، ويحتمل لا يعلمون ، أي : لا ينتفعون بما يعلمون ، ولا يعملون . أو لا يعلمون حقيقة ؛ لما لم ينظروا إلى الحجج والآيات [ التي ] قد مكن لهم : لو نظروا علموا ، والله أعلم . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . هذا القول منهم إنما يقولون على الاستهزاء والسخرية ، ليس على الاسترشاد على أنه لا يكون ذلك ، وأنه كذب ؛ كقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [ الشورى : 18 ] : أخبر أن أولئك يستعجلون بها ؛ لتركهم الإيمان بها استهزاء منه ، والذين آمنوا خائفون منها ؛ لإيمانهم بها أنها كائنة لا محالة ، لكن الله - سبحانه - لم يجبهم بما يجاب المستهزئ ؛ ولكن أجابهم بما يجاب المسترشد ؛ بلطفه وكرمه وجوده حيث قال : { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ } . أي : لكم ميعاد [ اليوم ] الذي وعدكم محمد أنه كائن لا محالة ، وهو يوم { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } ، وهكذا الواجب على كل مسئول إذا كان سائله سؤال استهزاء أن يجيبه جواب ما يجاب المسترشد ، لا ما يجاب المستهزئ ، ولا يدع علمه وحكمته لسفه السفيه ، ولا لهزأ الهازئ ، ولكنه يحفظ حكمته وعلمه وعقله ، ولا يشتغل بجواب مثله ، وبالله العصمة . وقوله : { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } . فإن كان على طلب التأخير وطلب التقديم ، ففيه تعيير وتوبيخ لهم ؛ كأنه يقول : ليس لكم من الخطر والقدر والمنزلة ما يؤخر لكم ما تستأخرون أو يقدم لكم ما تستقدمون . وإن كان على تحقيق ترك التأخير وترك التقديم ، كأنه يقول : ميعادكم يوم لا تملكون تأخيره إذا جاء ، ولا تقديمه عن وقته ولا رفعه ، والله أعلم . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } . كأن هذا القول منهم - والله أعلم - خرج عن مخاصمة وقعت بينهم وبين المؤمنين في شأن القرآن أو في شأن محمد ؛ فتحاكموا إلى [ أهل ] الكتاب على اتفاق منهم على ما في كتبهم ، فلما خرج ذلك على موافقة قول المؤمنين ، ومخالفة قول أولئك - قالوا عند ذلك : { لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، وإلا على الابتداء من غير تنازع وخصومة كان بينهم في ذلك غير مستقيم . ويذكر بعض أهل التأويل - ابن عباس وغيره - : أن رهطا بعثهم قريش إلى المدينة إلى رؤساء اليهود ؛ يسألونهم عن محمد وبعثه ؛ فأخبروهم أنه كائن وأنه مبعوث ، فلما رجعوا إليهم فأخبروهم أنهم قد عرفوه ، وهو عندهم في التوراة والإنجيل - فعند ذلك قالوا ما قالوا ثم كأنه اشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل عليه ؛ فقال له على التعزية والتصبير على ذلك : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } . أي : محبوسون عند ربهم ، أي : على محاسبة ما كان منهم من العناد والمكابرة والتكذيب ، أي : لو رأيتهم ما فيهم من الذل والهوان والخضوع لرحمتهم ولأخذتك الرأفة لهم ، والله أعلم . وقوله : { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } . أي : يلوم بعضهم بعضا ؛ فيقولون ما ذكر . { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ، أي : السفلة والأتباع ، { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } ، أي : القادة منهم والرؤساء ، { لَوْلاَ أَنتُمْ } فيما صرفتمونا عن دين الله وصددتمونا عنه ، { لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } به تابعين له ؛ لأنهم كانوا يصدرون لآرائهم ويقبلون قولهم ؛ لما هم كانوا أهل شرف ومعرفة ، والسفلة لا ، فيقولون : لولا أنتم لكنا نتبع رأي أنفسنا ، فنؤمن به ، لكن قلتم لنا : إنه كذب ، وإنه افتراء ، وإنه سحر ؛ فنحن صدقناكم في ذلك . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ } . قوله : { أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ } هو على التقدير : أي : لم نصدّكم ، وإن كان ظاهره استفهاماً ، ولكن أنتم بأنفسكم تركتم اتباعه ؛ لأن الرؤساء منهم كانوا يقولون للأتباع : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [ المؤمنون : 33 ] أخبروا أنه بشر مثلهم ، ثم أخبروهم : أنكم إذا أطعتم بشراً مثلكم إذاً تكونوا خاسرين ، ونحن بشر ، فكيف اتبعتمونا وأطعتمونا ؟ . { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } . في اتباعكم بما اتبعتموه . أو أن يكون قوله : { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } ، أي : لولا تلبيسكم علينا وتمويهكم أن الرسل كذبة ، وأنهم سحرة فيما يقولون ويدعون ، وأنهم يفترون على الله - وإلا لكنا مؤمنين . والثاني : لولا منعكم إيانا عن النظر والتفكر في أمورهم ، والتأمل في الحجج والآيات لكنا مؤمنين ؛ هذا قول الأتباع للرؤساء . ثم أجاب لهم الرؤساء فقالوا : { أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } ، يقولون - والله أعلم - : إن صددناكم ومنعناكم عن اتباعهم ظاهراً وعلانية ؛ فمتى منعناكم سرّاً من غير أن نطلع ونعلم نحن بذلك . أو ما ذكرنا من قوله : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] ، وقد عرفتم أنا بشر مثلكم فأطعتمونا وتركتم طاعة الرسل ؛ لأنهم بشر ؛ فأجاب لهم الأتباع فقالوا : { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } ، بل يمكركم إيانا ، وقولكم في الليل والنهار : إنهم كذبة سحرة ، وخداعكم إيانا ، وإنهم بشر مثلكم ؛ تركنا اتباعهم ؛ { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } . أو يقولون : بل مكركم في الليل والنهار { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ } ، أي : من تخويفكم إيانا وتهييبكم لنا من الأخذ على البغتة والغفلة - تركنا اتباعهم في السر إذا ظهر وبلغكم الخبر به . هذه مناظرات أهل الكفر فيما بينهم يومئذ ، وردّ بعضهم على بعض ، ولعن بعضهم على بعض ؛ يذكرها في الدنيا ، ليلزمهم الحجة ، وألا يقولوا يومئذ : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] . فإن قيل : إنهم كانوا لا يؤمنون بهذا القرآن ولا بالبعث ؛ فكيف يلزمهم ذلك ، وهم لا يستمعون له ؟ ! . قيل : إنهم قد مكنوا من الاستمتاع والنظر فيه ؛ فيلزمهم الحجة ، وإن لم يستمعوا له ، والله أعلم . وقوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } . قال بعضهم : أسروا الرؤساء الندامة ؛ بصرف الأتباع وصرف أنفسهم عن دين الله واتباع الرسل لما رأوا العذاب . وقيل : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } : الأتباع والرؤساء جميعاً . وقوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } ، قال [ بعضهم ] : من الإسرار والإخفاء ، أخفى بعضهم من بعض . وقال بعضهم : أخفى الكفرة الندامة عن المؤمنين . وقال القتبي : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } ، أي : أظهروا ، وهو من الأضداد ، يقال : أسررت الشيء : أخفيته وأظهرته . وأما غيره من أهل التأويل فإنهم قالوا : هو من الإخفاء . وقوله : { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . الأغلال : جماعة الغل : وهو ما يجعل في اليد ، ثم يشد اليد إلى العنق . { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : لا يجزون إلا جزاء عملهم في الدنيا .